الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

معنى حديث: ما أحب أني حكيت إنسانا وأن لي كذا وكذا

السؤال

ما حكم التمثيل إذا كان خاليا من المحذور الشرعي تماما؟ وهل هناك حديث معناه لعن الله الرجل يمثل حياة الرجل؟ هل هذا حديث صحيح؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد بينا حكم التمثيل بالفتويين التالية أرقامهما: 109827،

ولا يخفى أن القول بإباحة التمثيل مشروط بالسلامة من المحاذير الشرعية، وانظري الفتوى رقم: 198911.

وأما الحديث فلعلك تقصدين حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما أحب أني حكيت إنساناً، وأن لي كذا وكذا) رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، ولفظ أبي داود: عن عائشة، قالت: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: حسبك من صفية كذا وكذا، قال غير مسدد: تعني قصيرة ، فقال: "لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته" قالت: وحكيت له إنسانا، فقال: "ما أحب أني حكيت إنسانا وأن لي كذا وكذا".

جاء في تحفة الأحوذي: قَوْلُهُ (مَا أُحِبُّ أَنِّي حَكَيْتُ أَحَدًا) أَيْ فَعَلْتُ مِثْلَ فِعْلِهِ، يُقَالُ حَكَاهُ وَحَاكَاهُ، وَأَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْقَبِيحِ الْمُحَاكَاةُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ (وَأَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا) قَالَ الطِّيبِيُّ: جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ وَارِدَةٌ عَنِ التَّتْمِيمِ وَالْمُبَالَغَةِ أَيْ مَا أُحِبُّ أَنْ أُحَاكِيَ أَحَدًا وَلَوْ أُعْطِيتُ كَذَا وَكَذَا مِنَ الدُّنْيَا، قال القاري: وَفِيهِ أَنَّ الْأُصُولَ الْمُعْتَمَدَةَ عَلَى فَتْحِ أَنَّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ قَوْلِهِ أَنِّي، وَالْمَعْنَى أَنِّي مَا أُحِبُّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْمُحَاكَاةِ وَحُصُولِ كَذَا وَكَذَا مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا بِسَبَبِ الْمُحَاكَاةِ فَإِنَّهَا أَمْرٌ مَذْمُومٌ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَمِنَ الْغِيبَةِ الْمُحَرَّمَةِ الْمُحَاكَاةُ بِأَنْ يمشي متعارجا أو مطأطئ رأسه أو غير ذلك من الهيات. انتهى.

وهذا الحديث يُستدل به على تحريم التمثيل؛ قال الشيخ عبد المحسن العباد في شرح سنن أبي داود: (ما أحب أني حكيت إنساناً ولي كذا وكذا) أي: أن هذا العمل غير سائغ، وهذا الحديث يدل على تحريم التمثيل، الذي هو مبني على الحكاية، ومبني على التقليد، وعلى ـ كما يقولون ـ تقمص شخصية شخص آخر، وأنه يأتي بحركات وأفعال تضاف إليه، فهو من جملة الأحاديث التي تدل على أن التمثيل الذي ابتلي به كثير من الناس في هذا الزمان غير جائز، ومما يدل على تحريمه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ويل لمن يكذب ليضحك القوم، ويل له ثم ويل له)، ومعلوم أن التمثيل مبني على الكذب. انتهى.

ويمكن لمن يقول بالإباحة أن يحمل المحاكاة المذمومة في الحديث على المحاكاة لشخص بعينه فيما يكرهه؛ قال القاري في المرقاة: (ما أحب) أي: ما أود (أني حكيت أحدا) أي: فعل أحد، والمعنى: ما أحب أن أتحدث بعيب أحد قوليا أو فعليا (وأن لي كذا وكذا) أي: ولو أعطيت كذا وكذا من الأشياء بسبب ذلك الحديث، كذا قاله شارح، أو حكيت بمعنى حاكيت، ففي النهاية أي: فعلت مثل فعله، يقال: حكاه وحاكاه، وأكثر ما يستعمل في القبيح المحاكاة. قلت: فيحمل حكيت على الحسن فيفيد المبالغة. انتهى.

وهو ما قد يفيده كلام النووي السابق في محاكاة الهيآت؛ فإنها نوع من إيذاء المسلم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني