الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مرتكب الكبائر بين الهجر والتأليف

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته هل يجوز مواصلة مرتكب أكبر الكبائر بالتحية أو ما شابه ذلك مع العلم بمعاملة الرسول صلى الله عليه وسلم للثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك وهل تكون هذه الحادثة مقياساً لنا على هؤلاء العصاة حتى يتوبوا إلى الله ونريد أن نعرف كيفية المعاملة معهم حتى ولو كانوا من أقرب الناس إلينا؟ وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فمن أظهر المعصية وجب الإنكار عليه، ولو كان من أقرب الناس إلينا، وإذا وجب الإنكار عليه كان من ذلك أن يهجر حتى ينتهي عن معصيته، سواء كانت معصيته من أكبر الكبائر أو دون ذلك؛ ولكن هذا الهجر تختلف مشروعيته باختلاف الأحوال، فإذا كان مفيداً في ردع أصحاب المعاصي بحيث يشكل ضغطاً نفسياً عليهم يجعلهم يكفون عن المعصية كان مشروعاً مرغباً فيه، كما هجر النبي صلى الله عليه وسلم الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك بغير عذر، وأمر الناس بهجرهم حتى كان حالهم كما وصف الله في قوله تعالى: وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [التوبة:118].
وإذا كان الهجر مستلزماً لمفسدة راجحة، كأن يزداد المهجور بسبب الهجر في الشر وفعل المنكرات لم يكن مشروعاً، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعمل الهجران تارة والتأليف تارة، كما هجر الثلاثة الذين خلفوا ومنع الناس من مخالطتهم، وتألف أقواماً ممن هم حديثو عهد بالإسلام ومن يخاف عليه الفتنة.. كما في الحديث الصحيح: إِنِّي أُعْطِي الرَّجُلَ وَأَدَعُ الرَّجُلَ، وَالَّذِي أَدَعُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ الَّذِي أُعْطِي، أُعْطِي أَقْوَامًا لِمَا فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ الْجَزَعِ وَالْهَلَعِ، وَأَكِلُ أَقْوَامًا إِلَى مَا جَعَلَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ الْغِنَى وَالْخَيْرِ...
وهذا لأن المقصود دعوة الخلق إلى طاعة الله بأقوم طريق، فيستعمل الهجر حيث يكون أصلح والتأليف حيث يكون أصلح، ويدخل في الهجر المشروع ترك إلقاء السلام على من أظهر المعصية، وكذلك ترك عيادتهم وتشييع جنازتهم، ويدخل في التأليف المشروع الإحسان إليهم ووعظهم ودعوتهم بالحكمة والموعظة الحسنة والإنكار برفق عليهم.... إلى آخر الطرق المفيدة في هدايتهم وإصلاحهم، ومن هذا الباب ما رواه ابن أبي حاتم أن عمر رضي الله عنه، افتقد رجلاً من أهل الشام من أهل البأس، فقال: ما فعل فلان بن فلان، فقالوا: يا أمير المؤمنين تتابع في هذا الشراب -يعني الخمر-، قال: فدعا عمر كاتبه، فقال: اكتب من عمر بن الخطاب، إلى فلان بن فلان سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير، ثم قال: لأصحابه ادعوا الله لأخيكم أن يُقْبِل بقلبه ويتوب عليه، فلما بلغ الرجل الكتاب جعل يقرؤه ويردده ويقول: غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب، قد حذرني عقوبته ووعدني أن يغفر لي. زاد أبو نعيم: فلما بلغ عمر خبره، قال: هكذا اصنعوا إذا رأيتم أخاً لكم زل زلة فسددوه ووثقوه وادعوا الله له أن يتوب عليه، ولا تكونوا أعواناً للشيطان عليه.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني