السؤال
لقد قلتم في فتوى سابقة: إن من العلماء من يقول بالفطر بمجرد دخول الماء إلى داخل صماخ الأذن، ولكني فهمت من الفتوى رقم: (267160) أنه يسن في الغسل مسح باطن صماخ الأذن، وفهمت أيضًا من الفتوى رقم: (181007) أنه في الوضوء يتم مسح باطن صماخ الأذن، فهل هذا يعني أن فعل ذلك في الوضوء، أو الغسل أثناء الصيام يفطر؟ أم إن القائل بالفطر لا يقصد مقدمة باطن الصماخ، وإنما ما بعدها؟
وجزاكم الله خيرًا على نصيحتكم لي بأنه ينبغي السير على منهج للتعليم، وليس بالأسئلة، وأرجو سرد أي خلاف -إن وجد- وآراء العلماء بأدلتها -ما أمكن-. وجزاكم الله خيرًا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فليس المقصود في الفتاوى التي أشرت إليها أن يقوم المغتسل، أو المتوضئ بصب الماء داخل صماخ أذنه، فإن هذا مضر، كما جاء في الفتوى رقم: 267160.
وإنما المطلوب في حالة الغسل أن يعمم الأذن بالماء، وطريقة ذلك بينها العلماء ـ منبهين على ضرورة الحذر من دخول الماء للأذن ـ يقول ابن حجر الهيتمي في تحفة المحتاج: التَّعْمِيمَ الْوَاجِبَ يُكْتَفَى فِيهِ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ, وَيَتَأَكَّدُ ذَلِكَ فِي الْأُذُنِ, بِأَنْ يَأْخُذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ، ثُمَّ يُمِيلَ أُذُنَهُ، وَيَضَعَهَا عَلَيْهِ لِيَأْمَنَ مِنْ وُصُولِهِ لِبَاطِنِهِا. انتهى.
وإذا تقرر هذا فلتعلم أن من توضأ، أو اغتسل فدخل الماء في أذنه من غير قصد، ولا مبالغة، فإن صيامه لا يبطل, على الراجح.
وأما إن بالغ في ذلك حتى دخل الماء إلى أذنه، ووصل إلى جوفه، فإن القائلين بأن الداخل من الأذن مفطر اختلفوا في مثل هذه الحالة، وقد أشرنا إلى ذلك في الفتوى رقم: 140655.
وجاء في حاشية الجمل: (قوله وما يظهر) من صماخي الأذنين بأن يأخذ كفًّا من ماء، ويضعها برفق على الأذن مميلًا لها؛ ليصل الماء إلى معاطفها من غير نزول للصماخ، فيضرّ به، ويتأكد ذلك في حق الصائم، وقول الزركشي يتعين محمول على ذلك أخذًا مما مر في المبالغة, وإنما سن تعهد ما ذكر; لأنه أقرب إلى الثقة بوصول الماء، وأبعد عن الإسراف فيه. ا هـ شرح م ر وقوله: مميلًا لها، قضيته أنه لا يتعين عليه فعله، فيجوز له الانغماس، وصب الماء على رأسه, وإن أمكنت الإمالة، وعليه؛ فهل إذا وصل منه شيء إلى الصماخين بسبب الانغماس، مع إمكان الإمالة يبطل صومه، كما أفاد قولهم، يتأكد من أن ذلك مكروه في حقه أو لا; لأنه تولد من مأذون فيه، فيه نظر، وقياس الفطر بوصول ماء المضمضة إذا بالغ الفطر هنا، لكن ذكر بعضهم أن محل الفطر إذا كان من عادته وصول الماء إلى باطن أذنيه لو انغمس، وهو ظاهر، والكلام هنا في الأغسال الواجبة، وينبغي أن مثلها المندوبة؛ لاشتراكها معها في الطلب، أما لو اغتسل لمجرد التبرد، أو التنظف، ووصل الماء بسببه إلى باطن الأذن، فيحتمل أن يضر; لأنه لم يتولد من مأمور به، وهو قريب، فليراجع, ثم رأيت في كتاب الصوم في كلام الشارح بعد قول المصنف: ولو سبق ماء المضمضة إلخ ما نصه: بخلاف حالة المبالغة، وبخلاف سبق ماء غير مشروعين، كأن جعل الماء في أنفه، أو فمه، لا لغرض، وبخلاف سبق ماء غسل التبرد، والمرة الرابعة من المضمضة، والاستنشاق; لأنه غير مأمور بذلك، بل منهي عنه في الرابعة، وخرج بما قررناه سبق ماء الغسل من حيض، أو نفاس ،أو جنابة، أو من غسل مسنون، فلا يفطر به كما أفتى به الوالد -رحمه الله تعالى-, ومنه يؤخذ أنه لو غسل أذنيه في الجنابة، ونحوها، فسبق الماء إلى الجوف منهما لا يفطر، ولا نظر إلى إمكان إمالة الرأس، بحيث لا يدخل لعسره، وينبغي كما قاله الأذرعي أنه لو عرف من عادته أنه يصل الماء منه إلى جوفه، أو دماغه بالانغماس، ولا يمكن التحرز عنه أن يحرم الانغماس، ويفطر قطعًا، نعم محله إذا تمكن من الغسل، لا على تلك الحالة، وإلا فلا يفطر فيما يظهر. اهـ.
ومما تقدم يعلم أن القائلين بالفطر بدخول الماء إلى الأذن لا يقصدون مسح، أو غسل ظاهرها في الوضوء، والغسل؛ لأن هذا إذا خلا من المبالغة لا يترتب عليه في العادة دخول الماء إلى الأذن دخولًا يصل منه إلى الجوف.
كما أن وصول الماء إلى الجوف من غير مبالغة في غسل الأذن لا شيء فيه؛ لأنه غير مقصود، وأما عند المبالغة ففيه الخلاف المشار إليه سابقًا.
وللفائدة حول أقوال أهل العلم فيما يجب غسله من داخل الأذن انظر الفتوى رقم: 56042.
والله أعلم.