الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يلزم من أخّر القضاء أن يقضيه على الفور متتابعًا؟ وحكم البدء بالست

السؤال

إذا أخّر الشخص قضاء صوم رمضان لعدة رمضانات، فهل عليه أن يصوم تلك الأيام بعد رمضان على الفور، وعلى التوالي؟ أم يكون لديه وقت حتى رمضان الآتي، ويمكنه أن يصوم تلك الأيام متفرقة، دون أن يكون الصوم متواليًا خلال السنة؟ وهل يمكنه أن يصوم ستًّا من شوال، أو صوم التطوع قبل أن يصوم قضاء لعدة رمضانات التي أخرها؟ وجزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:

فمن أخّر قضاء رمضان حتى دخل عليه رمضان آخر، فإنه يطالب بالقضاء بعد رمضان الثاني، ولا يلزمه أن يصوم فورًا بعد رمضان، ولا أن يصومه متتابعًا لمجرد التأخير، والتأخير إن كان بغير عذر ترتب عليه كفارة، ولم يذكر أهل العلم أنه يترتب عليه الفور، أو التتابع لمجرد التأخير، قال في كشاف القناع: (فَإِنْ أَخَّرَهُ) أَيْ: قَضَاءَ رَمَضَانَ (إلَى رَمَضَانَ آخَرَ أَوْ) أَخَّرَهُ إلَى (رَمَضَانَاتٍ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَإِطْعَامُ مِسْكِينٍ لِكُلِّ يَوْمٍ مَا يُجْزِئُ فِي كَفَّارَةٍ) رَوَاهُ سَعِيدٌ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيمَا إذَا أَخَّرَهُ لِرَمَضَانَ آخَرَ. وَالدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَرَوَاهُ مَرْفُوعًا بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ، (وَيَجُوزُ إطْعَامُهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ، وَمَعَهُ، وَبَعْدَهُ) لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: (وَالْأَفْضَلُ) إطْعَامُهُ (قَبْلَهُ) قَالَ الْمَجْدُ: الْأَفْضَلُ عِنْدَنَا تَقْدِيمُهُ مُسَارَعَةً إلَى الْخَيْرِ، وَتَخَلُّصًا مِنْ آفَاتِ التَّأْخِيرِ، وَإِنَّمَا لَمْ تَتَكَرَّرْ الْفِدْيَةُ بِتَعَدُّدِ الرَّمَضَانَاتِ؛ لِأَنَّ كَثْرَةَ التَّأْخِيرِ لَا يُزَادُ بِهَا الْوَاجِبُ، كَمَا لَوْ أَخَّرَ الْحَجَّ الْوَاجِبَ سِنِينَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ فِعْلِهِ... اهـــ.

ولا شك أن المبادرة إلى القضاء، وتتابعه أفضل، وأحوط؛ إبراء للذمة، وخروجًا من خلاف من أوجب القضاء على الفور مطلقًا، ولو لم يدخل رمضان آخر.

وأما هل يصوم ست شوال قبل القضاء، فينبغي تقديم القضاء على صيام ست شوال؛ لأن القضاء فرض، وصيام ست شوال تطوع، والفرض أولى بالتقديم من التطوع، ومن صام ستًّا من شوال قبل أن يقضي ما عليه صح صيامه، ولا إثم عليه، جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: ما الحكم إذا صامت امرأة الست من شهر شوال وهي لم تقض ما عليها في رمضان؟

فأجابت اللجنة بقولها: الأولى أن من عليه قضاء من رمضان أن يبدأ به قبل صيام الست من شوال؛ لأن الفرض مقدم على النفل، ولكن ما حصل من هذه المرأة يعتبر خلاف الأولى، وعليها أن تصوم ما عليها من القضاء. اهـ.

وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله تعالى-: السنة أن يصومها بعد انتهاء قضاء رمضان، لا قبله، فلو كان عليه قضاء، ثم صام الستة قبل القضاء، فإنه لا يحصل على ثوابها؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من صام رمضان» ومن بقي عليه شيء منه، فإنه لا يصح أن يقال: إنه صام رمضان؛ بل صام بعضه، وليست هذه المسألة مبنيّة على الخلاف في صوم التطوع قبل القضاء؛ لأن هذا التطوع -أعني صوم الست- قيده النبي صلّى الله عليه وسلّم بقيد، وهو أن يكون بعد رمضان، وقد توهم بعض الناس فظن أنه مبني على الخلاف في صحة صوم التطوع قبل قضاء رمضان، وقد تقدم ذكر الخلاف في ذلك، وبينا أن الراجح جواز التطوع، وصحته، ما لم يضق الوقت عن القضاء. اهـ.

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني