الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما منظور الدين نحو قضية الوطنية؟

السؤال

هناك من يغلو في الوطنية، وحب الوطن، ويجعل منها إلها، وعلى الجانب الآخر هناك من ينفي ذلك، ويجعلها بعيدة عن الدين، والشرع، وأن الأرض كلها لله، فما منظور الدين نحو قضية الوطنية؟ وشكرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فحب الإنسان موطنه الذي ولد فيه، ودرج عليه، أمر فطري، لا يلام عليه أحد، وقد قيل:

وحبّب أوطانَ الرجالِ إليهمُ ... مآربُ قضّاها الرجالُ هنالكا.

ولكن المنكر كل النكارة، أن يعقد الولاء والبراء على هذه الأوطان، فيوالي الشخص من كان من بني وطنه، ولو لم يكن مسلمًا، ويترك موالاة من كان من وطن آخر، ولو كان مسلًما، هذا منكر عظيم، فإن الرابطة الوحيدة التي جعلها الله بين المسلمين هي رابطة الدين، كما قال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ {الحجرات:10}.

فوطن كل مسلم هو حيث يبعثها المؤذن الله أكبر، لا فضل عنده لأرض على أرض، إلا بما اختصها الله به من التفضيل، فهو يألم لكل مصاب ينزل بوطن من أوطان المسلمين، كما لو نزل هذا المصاب بوطنه؛ لأن المسلمين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم، كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر. كما صح عن المعصوم صلوات الله وسلامه عليه.

وإذا أصاب المسلمين خير في أي مكان، فرح به، وسُرَّ، فقد نبذ دعوى الجاهلية، وفخرها بالآباء، ولم يجعل له ما يوالي ويعادي عليه سوى هذا الدين، الذي أكرمه الله به، هذا هو المسلم الحق.

وإذا قاتل هذا المسلم عن وطنه، فإنه إنما يقاتل عنه لأنه وطن مسلم، فقتاله لتكون كلمة الله هي العليا، لا لمجرد الوطنية المحضة.

قال الشيخ ابن عثيمين: وقال- عز وجل-: (وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ). ولا يدخل في ذلك من قاتل للوطنية المحضة، أو القومية، وانتبه لقولي: الوطنية المحضة؛ لأن الإنسان إذا قاتل من أجل وطنه لكونه وطنًا إسلاميًا؛ ولأجل أن تبقى كلمة الله تعالى فيه هي العليا، فإن ذلك لا ينافي صحة النية، والعقيدة، وهو داخل في القتال في سبيل الله تعالى، أما من قاتل عن وطنه لأنه وطنه فقط، فلا فرق بينه وبين قتال الكافر الذي يقاتل عن وطنه؛ لأنه وطنه. انتهى.

وقد سعى المستعمر بعد هدم الخلافة، وإسقاطها، إلى تفتيت المسلمين، وشرذمتهم، وإشغالهم بالقوميات، والوطنيات، والدعاوى الزائفة التي يحرفهم بها عن الجادة، ويستميلهم عن الرابطة الوحيدة التي إذا اجتمعوا عليها كانت سبب عزهم، ومناط فخرهم، ورفعتهم.

قال الشيخ بكر أبو زيد -رحمه الله-: واستعملت الوطنية، والقومية بدلًا من الإسلامية، وكان الغرض من ذلك تفتيت الوحدة الإسلامية، وتقسيمها إلى قوميات، وأجناس، تتصارع فيما بينها، وذلك يمكِّن للمستعمر أن يصل إلى ما يريد... لكن الإسلام يُربِّي أبناءه على أساس أن الناس جميعًا خلقوا من ذكر وأُنثى، وجعلهم شعوبًا وقبائل ليتعارفوا، وأن أكرمهم عند الله أتقاهم، ومهمة المسلم عمارة الأرض، وتحقيق الأمن، والسلام فيها.

أما عاطفة الكراهية فإنه يوجهها إلى العدو الحقيقي الذي لا يريد بالإنسان إلا الشر، ذلك هو الشيطان الذي حذَّرهم الله تعالى منه بقوله: {يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ. انتهى.

والحاصل أن الواجب على المسلمين أن يكون ولاؤهم، وانتماؤهم الأكبر إنما هو لهذا الدين العظيم الذي أكرمنا الله به، فيحب المؤمن في الله، ويبغض في الله، ويوالي في الله، ويعادي في الله، فوليه ذو التقوى، والإيمان من كان، وأين كان، وعدوه ذو المعصية، والكفران، من كان، وأين كان، يحب المسلم وإن كان أجنبيًا عنه، ويعادي الكافر ويبغضه، وإن كان من بني وطنه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني