السؤال
نسأل العزيز القدير أن يعينكم، ويبارك في هذا الموقع الطيب. أنا فتاة أبلغ من العمر 23 سنة تربيت منذ الطفولة على البراءة في التعامل، كالكتاب المفتوح، والقلب العطوف، وأظن الطيبة في جميع الناس، وأحيانًا أحفظ مشاعر الناس على حسابي، وعندما كبرت ووعيت في زمن قل فيه حتى التفكير في الله عز وجل فهمت أن قريباتي يكتمن لي الحسد؛ نظرًا لأني أكثر جمالًا منهن، كما يحرصن على التقليل من شخصيتي، وذكائي؛ لأنني رسبت سنتين بسبب الأوضاع المادية، والمعنوية، رغم أنني أدرس الآن، ومشكلتي هي صعوبة تأقلمي مع جميع أفراد العائلة؛ لأنني أجهل كيف يتحاسدون، وإن كشفنا عقولهم الخفية سنجدهم يتمنون النجاح لأنفسهم فقط لا غير، لكنهم يدّعون الحب بينهم، والكمال، فعلى سبيل المثال خالتي المنتقبة تنصحني بالحجاب، وأنا أعلم أنه فريضة، وإن شاء الله عاجلًا أم آجلًا سأضعه، وأندهش كيف تشتري، وتكنز الحلي، والألبسة لتتباهى بها أمام أفراد العائلة، وأختها ـ أي أمي ـ تعاني من المرض، وهي فقيرة، وتحتاج المساعدة، وأنا أدرس في الجامعة دون حاسوب، وعندها قدرة أن تشتريه لي، وصرت عندما تأمرني عائلتي بأمر في الدِّين أصارحهم بقولي: أين أنتم من هذا الدِّين؟ فالأخ الذي لا ينقذ أخاه وهو على هاوية لا يحسب أخًا، وجعلوني حاسدة، حاقدة، وحاولت التودد لهم دون جدوى، ليس عندي سلطان على قلبي الذي لا يستريح لهؤلاء، لقد اخترت نصحهم بطيبة، وحب، كما أنصح نفسي، لكنهم يحسدوني أصلًا، ويقللون من شخصيتي، فكيف أتعامل مع هؤلاء؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فننبهك أولاً إلى أنّ الحجاب واجب متحتم على المرأة أمام الرجال الأجانب، لا يسعها التهاون، أو التسويف فيه، بل الواجب المبادرة، والمسارعة، والتوبة إلى الله مما مضى من التفريط فيه، وراجعي الفتوى رقم: 29313.
ولا يجوز لك اتهام أقاربك بالنفاق، ووصفهم بذلك، ولا اتهامهم بالحسد، وانظري الفتوى رقم: 193495.
واعلمي أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب بضوابطه، وليس من شروطه عدم الوقوع في المعاصي، فكل ابن آدم خطاء، يقول القرطبي ـ رحمه الله ـ في تفسير قوله تعالى: أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم. اعلم -وفقك الله تعالى- أن التوبيخ في الآية بسبب ترك فعل البر، لا بسبب الأمر بالبر، وقال مالك: عن ربيعة ابن أبي عبد الرحمن، سمعت سعيد بن جبير يقول: لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء، ما أمر أحد بمعروف ولا نهى عن منكر ـ قال مالك: وصدق من ذا الذي ليس فيه شيء؟.
وينبغي على من أُمِرَ بمعروف أو نهي عن منكر، أو قدّمت له نصيحة، أن يقبلها، ولا يتعللّ بتقصير صاحبها، كما قيل:
اعْمَلْ بِقَوْلِي وَإِنْ قَصَّرْتُ فِي عَمَلِي ... يَنْفَعْكَ قَوْلِي وَلَا يَضْرُرْكَ تَقْصِيرِي.
وما ننصحك به هو أن تتعاملي مع هؤلاء الأقارب بالحسنى، وتقبلي نصحهم، وتخلصي لهم النصيحة، وتحسني الظنَ بهم، وتحملي أفعالهم وأقوالهم على أحسن المحامل.
واعلمي أنّ المجاملة بالكلام الطّيب، والأفعال الجميلة ـ ولو كانت تكلفًا ـ تورث المودة، وتذهب التباغض، قال الغزالي رحمه الله: بل المجاملة -تكلّفًا كانت أو طبعًا- تكسر سورة العداوة من الجانبين، وتقلّل مرغوبها، وتعوّد القلوب التآلف، والتحاب، وبذلك تستريح القلوب من ألم الحسد، وغم التباغض.
ولمعرفة الفرق بين النفاق والمجاملة، راجعي الفتويين رقم: 75660، ورقم: 26817.
والله أعلم.