السؤال
أبي لم يصلّ لله عز وجل قط، وقد وفقني الله وأنا مقيم بالمملكة السعودية، فقمت بعمل دعوة له، ولأمي لحج بيت الله الحرام هذا العام، مع العلم أن أبي مريض، وأصيب بجلطة في المخ؛ مما أدى لعجز في الذراع الأيسر، والقدم اليسرى أيضًا، ولا يستطيع الذهاب للحمام، أو المشي، إلا بمساعدتي، والسؤال هو: بعد مجادلات، ومناقشات حادة أصبح يصلي، ونحن في الحج الآن، ولكنه لا يسبغ الوضوء، كما أنه لا يستتر من بوله، فهو -أعزكم الله- يتبول مستخدمًا كوبًا وهو نائم؛ لأنه لا يقوى على الذهاب للحمام كل مرة، وقد حاولت أن أقنعه باستخدام مناديل ورقية بعد التبول، ولكنه نهرني، وأنا لا أريد أن أشق عليه؛ حتى لا يترك الصلاة بالكلية:
السؤال الأول: هل تصح صلاته أم لا؛ لأنه لا يستتر من بوله، ولا يسبغ الوضوء (يغسل جزءًا من ذراعه، ووجهه فقط)؟
السؤال الثاني: أبي يصلي وهو مكره على الصلاة؛ لأنه يستحيي مني، وأعتقد أنه سوف يترك الصلاة بمجرد عودته لمصر؛ بحجة أنه رجل مريض، وليس على المريض حرج، وهكذا، فهل صلاته مقبولة؛ لأنه مكره عليها أم لا؟ وانصحوني ماذا أفعل معه؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يثيبك على برك بوالديك، وعلى حرصك على إرادة الخير لهما، ونسأله أن يهدي والدك، وأن ييسر عليه العبادة، وأن يحببها إليه، ونوصيك بالدعاء له، ورحمة الله واسعة، فسل الله، ولازم التضرع له أن يهدي أباك.
وأما حكم ما يفعل، فعدم الاستتار من البول (كشف العورة) ـ مع القدرة ـ محرم؛ لما فيه من كشف العورة المغلظة، ولكنه لا يؤثر على الصلاة، فهذا ذنب خارج عن الصلاة، وإنما الذي يؤثر فيها عدم الاستبراء من البول، فهو كبيرة، ولا تصح الصلاة بلا استنجاء، وانظر الفتويين التالية أرقامهما: 296059، 121754.
ويمكنك أن تقوم بتنظيفه، وتنجيته من البول، وتغسل له أعضاء الوضوء، إن كان عاجزًا عن ذلك، ولعله إن رآك تعينه اجتهد أن يتوضأ وضوءًا صحيحًا، وانظر للفائدة الفتوى رقم: 302149، وتوابعها.
جاء في الإنصاف للمرداوي: من ابتلي بخدمة مريض، أو مريضة في وضوء، أو استنجاء، أو غيرهما، فحكمه حكم الطبيب في النظر، والمس، نص عليه، كذا لو حلق عانة من لا يحسن حلق عانته، نص عليه، وقاله أبو الوفاء، وأبو يعلى الصغير. انتهى.
وأما تفريطه في الوضوء بعدم إتمام غسل الوجه، والذراعين، أو غير ذلك من فروض الوضوء، فلا يصح معه الوضوء، ولا الصلاة، فيجب عليه إعادة الصلوات التي صلاها بهذا الوضوء؛ لأنه وضوء غير مجزئ شرعًا.
وعليه؛ فكرر عليه النصيحة برفق، وذكره بالله، وبنعمه، واستعن عليه بمن قد يؤثر عليه، حتى يستقيم في طهارته، وصلاته.
وننبه السائل إلى أنه يجوز للمريض جمع الصلاة تقديمًا وتأخيرًا، وإن كان مقيمًا؛ لأن المريض له الجمع بين الصلوات إن احتاج إليه، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 8154.
فلعله لو جمع بين الصلاتين، وكان أخف عليه زادت رغبته في الصلاة.
وأما كونه يصلي استحياء منك، فلا نستطيع أن نجزم بذلك، فقد ينوي الصلاة وأنت لا تدري، ولعله إن وجد حلاوة الصلاة صلى بعد ذلك.
فإن كان يصلي فقط لأجل الاستحياء منك، ولولا ذلك ما صلى، فلا صلاة له، فهذا هو الرياء المحض؛ قال ابن رجب في جامعه: واعلم أن العمل لغير الله أقسام: فتارة يكون رياء محضا، بحيث لا يراد به سوى مراءات المخلوقين لغرض دنيوي، كحال المنافقين في صلاتهم، كما قال الله عز وجل: {وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا} [النساء: 142] (النساء: 142)... وهذا الرياء المحض لا يكاد يصدر من مؤمن في فرض الصلاة، والصيام، وقد يصدر في الصدقة الواجبة، أو الحج، وغيرهما من الأعمال الظاهرة، أو التي يتعدى نفعها، فإن الإخلاص فيها عزيز، وهذا العمل لا يشك مسلم أنه حابط، وأن صاحبه يستحق المقت من الله، والعقوبة...
والله أعلم.