الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم النظر إلى المحجبة وإنكارها على من نظر إليها

السؤال

ما حكم النظر للمرأة المحتشمة والمغطاة بالعباءة؛ هل حرام؟ وإذا كان حرامًا، هل من حقها منعي من النظر لها؟ لأنه ذات يوم رأيت امرأة تكلم حارس بيتنا، فعندما سألته قال لي: إنها تقول: لماذا تنظر إلي؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإطلاق الرجل بصره إلى المرأة الأجنبية غير جائز، وهو باب فتنة وفساد، ومن وقعت عينُه على امرأة أجنبية فعليه أن يصرف بصره عنها، فقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِعَلِىٍّ: "يَا عَلِىُّ، لاَ تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ؛ فَإِنَّ لَكَ الأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الآخِرَةُ". وعَنْ جَرِيرٍ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ نَظْرَةِ الْفَجْأَةِ، فَقَالَ: «اصْرِفْ بَصَرَكَ». رواهما أبو داود.

وكون المرأة محتشمة في لباسها لا يبيح إطلاق البصر إليها، حتى لو كانت منتقبة لا يظهر منها إلا العينان؛ قال الخطيب الشربيني الشافعي -رحمه الله-: "وَحَيْثُ قِيلَ بِالتَّحْرِيمِ -وَهُوَ الرَّاجِحُ- هَلْ يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَى الْمُنْتَقِبَةِ الَّتِي لَا يَتَبَيَّنُ مِنْهَا غَيْرُ عَيْنَيْهَا وَمَحَاجِرِهَا أَوْ لَا؟ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَتْ جَمِيلَةً، فَكَمْ فِي الْمَحَاجِرِ مِنْ خَنَاجِرٍ. اهـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ". مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (4/ 209).

ولو فرض أنّ المرأة لا يظهر شيء من بدنها مطلقًا، فلا يجوز النظر إليها عند خوف الفتنة؛ قال القرطبي -رحمه الله-: "وغضه واجب عن جميع المحرمات، وكل ما يخشى الفتنة من أجله". تفسير القرطبي (12/ 223).

وفي مصنف ابن أبي شيبة: عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: 30] قُلْتُ لِلشَّعْبِيِّ: الرَّجُلُ يَنْظُرُ الْمَرْأَةَ لَا يَرَى مِنْهَا مُحَرَّمًا قَالَ: «مَا لَكَ أَنْ تَتْبَعَهَا بِعَيْنِكَ».

وقال بعض المعاصرين: "ومن ثم فإن الأمر بغض البصر نزل تأكيدًا للحجاب القائم فعلًا، أي أنه -أي: إطلاق البصر- لا يجوز للمرأة الأجنبية، وإن كانت محجبة سدّا للذرائع، ودرءًا للفتنة". عودة الحجاب (3/ 414).

وأما إذا أمنت الفتنة، وانتفت الشهوة، فقد ذهب بعض العلماء إلى جواز النظر إلى المرأة، ولو كانت كاشفة وجهها، لكننا رجحنا القول بالمنع إلا إذا كان لحاجة كالشهادة والبيع والشراء ونحوه، كما بيناه في الفتوى رقم: 41873.

وحيث حرم النظر إلى المرأة؛ فلها أن تنكر نظر الرجل إليها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني