السؤال
هل يجوز للعبد أن يقول لنفسه دائما إنه بإذن الله تعالى ولي من أولياء الله، كما في الآية الكريمة: إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ ۖ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ {اﻷعراف: 196}؟.
هل يجوز للعبد أن يقول لنفسه دائما إنه بإذن الله تعالى ولي من أولياء الله، كما في الآية الكريمة: إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ ۖ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ {اﻷعراف: 196}؟.
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فلا شك أن الله تعالى يتولى الصالحين، وأن المؤمنين المتقين هم أولياء الله تعالى، كما دل على ذلك القرآن، ولكن إخبار العبد عن نفسه بأنه من الصالحين أو المتقين إن لم تدع إليه حاجة شرعية يعتبر داخلا في دائرة تزكية النفس، وقد قال تعالى: فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى {النجم: 32}.
وقد قيل إن هذه الآية نزلت في أناس من المسلمين قالوا: صلينا وفعلنا، فزكوا أنفسهم، فقال الله تعالى: فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ـ قال القرطبي: فقد دل الكتاب والسنة على المنع من تزكية الإنسان نفسه، ويجري هذا المجرى ما قد كثر في هذه الديار المصرية من نعتهم أنفسهم بالنعوت التي تقتضي التزكية، كزكي الدين ومحي الدين وما أشبه ذلك، لكن لما كثرت قبائح المسمين بهذه الأسماء ظهر تخلف هذه النعوت عن أصلها فصارت لا تفيد شيئا. اهـ.
وقد نص الفقهاء على عدم جواز مدح الإنسان نفسه إلا لحاجة شرعية، كما بيناه في الفتوى رقم: 211387.
وجاء في الموسوعة الفقهية: مدْحُ الْمَرْءِ نَفْسَهُ وَذِكْرُ مَحَاسِنِهِ: ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلإْنْسَانِ فِي الْجُمْلَةِ أَنْ يَمْدَحَ نَفْسَهُ وَأَنْ يُزْكِيَهَا، قَال الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ: وَمَدْحُكَ نَفْسَكَ أَقْبَحُ مِنْ مَدْحِكَ غَيْرَكَ، فَإِنَّ غَلَطَ الإْنْسَانِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ أَكْثَرُ مِنْ غَلَطِهِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، فَإِنَّ حُبَّكَ الشَّيْءَ يَعْمِي وَيَصُمُّ، وَلاَ شَيْءَ أَحَبُّ إِلَى الإْنْسَانِ مِنْ نَفْسِهِ، وَلِذَلِكَ يَرَى عُيُوبَ غَيْرِهِ وَلاَ يَرَى عُيُوبَ نَفْسِهِ، وَيَعْذِرُ بِهِ نَفْسَهُ بِمَا لاَ يَعْذِرُ بِهِ غَيْرَهُ، وَقَدْ قَال اللَّهُ تَعَالَى: فَلاَ تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ـ وَقَال: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَل اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ ـ وَلاَ يَمْدَحُ الْمَرْءُ نَفْسَهُ إِلاَّ إِذَا دَعَتِ الْحَاجَةُ إِلَى ذَلِكَ مِثْل أَنْ يَكُونَ خَاطِبًا إِلَى قَوْمٍ فَيُرَغِّبَهُمْ فِي نِكَاحِهِ، أَوْ لِيُعَرِّفَ أَهْلِيَّتَهُ لِلْوِلاَيَاتِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْمَنَاصِبِ الدِّينِيَّةِ، لِيَقُومَ بِمَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِ عَيْنًا أَوْ كِفَايَة، كَقَوْل يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأْرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ـ وَقَدْ يَمْدَحُ الْمَرْءُ نَفْسَهُ لِيُقْتَدَى بِهِ فِيمَا مَدَحَ نَفْسَهُ بِهِ، وَهَذَا مُخْتَصٌّ بِالأْقْوِيَاءِ الَّذِينَ يَأْمَنُونَ التَّسْمِيعَ وَيُقْتَدَى بِأَمْثَالِهِمْ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ، وَلاَ فَخْرَ ـ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَا أَكْرَمُ وَلَدِ آدَمَ عَلَى رَبِّي، وَلاَ فَخْرَ.. اهـ.
ومن علم أن العبرة بالخواتيم لم يزك نفسه، فربما ظن الإنسان نفسه من الصالحين، وهو مكتوب عند الله تعالى أنه سيختم له بخاتمة سوء ويدخل النار، وقد قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ العَبْدَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ وَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الجَنَّةِ وَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَإِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالخَوَاتِيمِ. رواه البخاري.
وقد كان الصالحون من سلف هذه الأمة مع ما كانوا عليه من التقوى والإيمان لا يجرؤ الواحد منهم أن يقول عن نفسه إنه من أولياء الله الصالحين، بل لا يقول الواحد منهم إن الله تقبل منه ركعتين، وقد روى ابن عساكر عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: لَو علمت أَن الله تقبل مني سَجْدَة وَاحِدَة أَو صَدَقَة دِرْهَم لم يكن غَائِب أحب إِلَيّ من الْمَوْت تَدْرِي مِمَّن يتَقَبَّل الله: إِنَّمَا يتَقَبَّل الله من الْمُتَّقِينَ.
وقوله تعالى: إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ ...{الأعراف:196}، ـ ليس من باب التزكية، ولا هي كقول الإنسان أنا من أولياء الله، وإنما هو إعلان التوكل على الله والثقة به في مقام التحدي، كما لو قلت: حسبي الله، أو الله ناصرى، فقد قال تعالى قبلها: قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ {الأعراف:195}، ـ قال ابن كثير رحمه الله: وقوله: قل ادعوا شركاءكم ثم كيدون فلا تنظرون ـ 1ـ أي: استنصروا بها علي، فلا تؤخروني طرفة عين، واجهدوا جهدكم! إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين ـ أي: الله حسبي وكافى، وهو نصيري وعليه متكلي، وإليه ألجأ، وهو وليي في الدنيا والآخرة، وهو ولي كل صالح بعدي وهذا كما قال هود، عليه السلام، لما قال له قومه: إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم {هود:54-56} وكقول الخليل عليه السلام ـ2 ـ أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون فإنهم عدو لي إلا رب العالمين الذي خلقني فهو يهدين ـ والذي هو يطعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين ـ 3 ـ {الشعراء:75-80 } الآيات، وكقوله لأبيه وقومه: إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني فإنه سيهدين وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون {الزخرف:26-28}. انتهى.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني