الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم الحروف القرآنية المثبتة في بعض القراءات والمحذوفة من قراءات أخرى

السؤال

أود أن أسألكم عن حكم من ينكر حرفا، أو كلمة في كتاب الله؟
وإن كان ردكم بكفره. فما حكم القراءة التي تقرونها، وهي ورش، وقالون عن نافع حيث إنه في سورة الحديد الآية 24 كانت قراءتها كالتالي: "الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ومن يتول فإن الله الغنى الحميد" !! وأبرأ إلى الله من أن هذا كلامه، لكن كلامه الصحيح المتواتر هو "الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ"
أسأل الله عز وجل أن يهديكم إلى سبيل الرشاد، ونتمسك بالرواية المتواترة، والثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين، وعبد الله بن مسعود وهي "المصحف الموجود بين أيدينا الآن لرواية حفص عن عاصم، وأذكركم بقوله تعالى: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصْ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فنشكر لك غيرتك على القرآن الكريم، ولكن ننبهك على أنك تسرعت بإنكار ما لم تفهمه، وتدركه على وجهه؛ فهذه الأحرف بحالها في المصحف العثماني.

قال القرطبي في مقدمة تفسيره: وما وجد بين هؤلاء القراء السبعة من الاختلاف في حروف يزيدها بعضهم، وينقصها بعضهم؛ فذلك لأن كلا منهم اعتمد على ما بلغه في مصحفه ورواه، إذ قد كان عثمان كتب تلك المواضع في بعض النسخ، ولم يكتبها في بعض؛ إشعارا بأن كل ذلك صحيح، وأن القراءة بكل منها جائزة. اهـ.

قال الشنقيطي في مذكرة في أصول الفقه: ومن أحسن ما قيل في ذلك، الجمع بين الأقوال، بأن البسملة في بعض القراءات كقراءة ابن كثير، آية من القرآن، وفي بعض القرآن ليست آية، ولا غرابة في هذا. فقوله في سورة الحديد "فإن الله هو الغني الحميد" لفظة (هو) من القرآن في قراءة ابن كثير، وأبي عمرو، وعاصم، وحمزة، والكسائي، وليست من القرآن في قراءة نافع، وابن عامر؛ لأنهما قرءا " فإن الله الغني الحميد" وبعض المصاحف فيه لفظة (هو) وبعضها ليست فيه. وقوله "فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم". "وقالوا اتخذ الله ولداً" الآية. فالواو من قوله (وقالوا) في هذه الآية من القرآن، على قراءة السبعة غير ابن عامر، وهي في قراءة ابن عامر ليست من القرآن لأنه قرأ " قالوا اتخذ الله ولداً" بغير واو، وهي محذوفة في مصحف أهل الشام، وقس على هذا. وبه تعرف أنه لا إشكال في كون البسملة آية في بعض الحروف دون بعض، وبذلك تتفق أقوال العلماء.

وأشار إلى هذا الجمع في المراقي بقوله:

وليس للقرآن تعزى البسملة ... وكونها منه الخلافِي نَقَله

وبعضهم إلى القراءة نظر ... وذاك للوفاق رأي معتبر. انتهى.

وانظر الفتوى رقم: 310285.

ومن أنكر حرفا من القرآن كفر-بعد العلم بقرآنيته-؛ كما بينا بالفتوى رقم: 215083. ولكن الذي يقرأ بحذف "هو" لا ينكرها، وإنما يقرأ كما بلغه، ويُقِر قراءة غيره، فلا إشكال.

ولذلك كلام العلماء في كفر من أنكر حرفا لا يتناوله.

قال الشوكاني -رحمه الله- في الكلام عن البسملة: واعلم أن الأمة أجمعت أنه لا يكفر من أثبتها، ولا من نفاها؛ لاختلاف العلماء فيها، بخلاف ما لو نفى حرفاً مُجمعاً عليه، أو أثبت ما لم يقل به أحد: فإنه يكفر بالإجماع. ولا خلاف أنها آية في أثناء سورة "النمل"، ولا خلاف في إثباتها خطّاً في أوائل السور في المصحف، إلا في أول سورة "التوبة". انتهى من نيل الأوطار.

وننصحك بقراءة ما كتبه العلماء في هذا الباب، ومراجعة الكتب التي نقلنا منها، وأحلنا عليها قبل التسرع بهذا الإنكار.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني