السؤال
أعلم اختلاف العلماء في مسألة الوفاء بالوعد، وأعلم أنه مستحب عند الجمهور، ولكنني اقتنعت بأدلة الفريق القائل بلزوم الوفاء بالوعد من باب الاحتياط، فلو قلت مثلا: سأعطي فلانا كذا، أو سأتبرع لفلان بكذا ـ دون أن أخبره، فهل في هذه الحالة يعد وعدا حتى ولو لم أخبره؟ وهل هذه الحالة تدخل في الاختلاف في مسألة الوفاء بالوعد، إذ إنني فقط أعربت عن نية فعل الخير دون أن أعد أحدا؟ وهل الأمر لا يزال يطلق عليه الوعد؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نجد من أهل العلم من نص على هذه المسألة، والذي نراه أن ما سماه السائل إعرابا عن نية فعل الخير، إنما هو إخبار عن نفسه بهذا الفعل مستقبلا، وهذا ينطبق عليه ـ في ما يظهر لنا ـ تعريف الوعد، قال ابن فارس في مقاييس اللغة: وعد ـ الواو والعين والدال: كلمة صحيحة تدل على ترجية بقول. اهـ.
وقال العيني في عمدة القاري: الوعد في الاصطلاح: الإخبار بإيصال الخير في المستقبل، والإخلاف جعل الوعد خلافا. وقيل: هو عدم الوفاء به. اهـ.
وقال عليش المالكي في فتاويه: العدة ليس فيها إلزام الشخص نفسه شيئا الآن، وإنما هي ـ كما قال ابن عرفة: إخبار عن إنشاء المخبر معروفا في المستقبل. اهـ.
وقال أيضا: العدة أن يقول الرجل: أنا أفعل، وأما إذا قال: قد فعلت، فهي عطية. اهـ.
والظاهر أنه لا يشترط في هذا القول علم الموعود به، بل بمجرد القول أو إخبار الرجل عن نفسه بفعل هذا المعروف في المستقبل، يكون قد وعد، حتى ولو كان الموعود غائبا، لأن القول والإخبار قد حصل، قال الجرجاني في التعريفات: الخبر: هو الكلام المحتمل للصدق والكذب. اهـ.
ويستأنس لهذا بأن أحدا من أهل العلم لم يشترط في الوعد قبول الموعود، كما يشترطون في الهبة قبول الموهوب، قال الشيخ هارون جيلي في بحثه: الوفاء بالوعد في الفقه الإسلامي المنشور في العدد الخامس من مجلة مجمع الفقه الإسلامي ـ قالوا في التفريق بين الوعد والهبة: إن الهبة في اللغة: إيصال النفع إلى الغير، وفي الشرع: تمليك العين للغير بلا عوض، وركناها: الإيجاب والقبول، لأنها عقد، فاعتبر القبول عند الشافعي ومالك وأبي حنيفة لصحتهما، بخلاف الوعد فهو لا يحتاج إلى قبول أصالة، وليس عقدا عند الجمهور. اهـ.
والخلاصة أن ما صدر من السائل يعتبر وعدا.
والله أعلم.