الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التوفيق بين الأحاديث الواردة في ذكر المهدي والملحمة ونزول عيسى

السؤال

شكرا لكم على تواصلكم المستمر معنا، عبر موقعكم الكريم، جعله الله في ميزان حسناتكم.
علماءنا الكرام، أود أن أسأل عن موضوع المهدي، والملحمة، وبعض الأحاديث حول الموضوع التي تناقضت، أو أشكلت علينا بعض الشيء.
هل المهدي يأتي قبل الملحمة، أم في أثنائها أم بعدها؟ وقد قرأت حديثا يقول إن عمران بيت المقدس، خراب المدينة، وخراب المدينة، خروج الدجال. هذا الحديث يشير إلى أن المهدي يكون بعد الملحمة. أليس كذلك؟ وقد أشكل الأمر أيضا بخصوص حديث آخر، ذكر أنه يأتي من المشرق مع الرايات السود. قرأت في حديث أن المهدي إذا مات لا خير بعده، وفي آخر أن عيسى عليه السلام يخلف المهدي، ويحكم 40 سنة. فكيف لا يكون هناك خير إذا مات المهدي، والحديث الآخر قال إن عيسى عليه السلام يخلف المهدي؟
وإشكال حول حديثين: حيث ذكر الإمام أحمد في حديث له عن الرسول صلى الله عليه وسلم، أن المهدي اسمه كاسمي، وانتهى بذكر ذلك فقط، ولم يذكر كما ذكر حديث آخر: اسمه، يواطئ اسمي، واسم أبيه، اسم أبي، أي فقط ذكر كاسمي فقط، أي كاسم النبي صلى الله عليه وسلم. فهل هذا يعني أن المهدي قد يكون اسمه محمد فقط، دون محمد بن عبد الله؟!
أرجو إيضاح هذه الإشكالات يرحمكم الله، ويوفقكم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فأما السؤال الأول عن المهدي هل يأتي قبل الملحمة أم بعدها؟ فقد ذكرنا ما فيه، في جواب سؤالك السابق، وذلك في الفتوى رقم: 321898.

وأما حديث: عمران بيت المقدس، خراب المدينة .. الخ. فليس فيه التصريح بذكر للمهدي، وإنما فيه ذكر الملحمة، وخروج الدجال، ولفظه: عمران بيت المقدس، خراب يثرب، وخراب يثرب، خروج الملحمة، وخروج الملحمة، فتح قسطنطينية، وفتح القسطنطينية، خروج الدجال. رواه أبو داود وأحمد، وحسنه الألباني.
قال الحافظ ابن كثير في (النهاية في الفتن والملاحم): هكذا رواه أبو داود، عن عباس العنبري، عن أبي النضر هاشم بن القاسم به، وقال: هذا إسناد جيد، وحديث حسن، وعليه نور الصدق، وجلالة النبوة. وليس المراد أن المدينة تخرب بالكلية قبل خروج الدجال، وإنما ذلك في آخر الزمان، كما سيأتي بيانه في الأحاديث الصحيحة، بل تكون عمارة بيت المقدس، سببا في خراب المدينة النبوية، فإنه قد ثبت في الأحاديث الصحيحة، أن الدجال لا يقدر على دخولها، يمنع من ذلك، بما على أبوابها من الملائكة القائمين بأيديهم السيوف المصلتة. اهـ.

وقد سبق أن ذكرنا في الفتوى المشار إليها آنفا، أن صنيع بعض أهل العلم في تبويبهم، وسردهم لعلامات الساعة، يدل على أن قائد المسلمين في الملحمة هو المهدي. فإن صح ذلك، فظهور المهدي وإن سبق خروج الدجال، فلا مانع من بقائه حتى يدركه، كما يدركه المسيح بعد نزوله، وإن كان خروجه سابقا على هذا النزول. ويؤيد هذا تتابع هذه العلامات، وقرب بعضها من بعض، كما نقلناه في الفتوى المشار إليها.

وأما مجيء المهدي مع الرايات السود من قبل المشرق، فقد رويت فيه عدة أحاديث، منها حديث ثوبان مرفوعا: يقتتل عند كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة، ثم لا يصير إلى واحد منهم، ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق، فيقتلونكم قتلا لم يقتله قوم ... فإذا رأيتموه، فبايعوه ولو حبوا على الثلج، فإنه خليفة الله المهدي. رواه ابن ماجه، والبزار. وقال: اخترنا هذا الحديث لصحته، وجلالة ثوبان، وإسناده إسناد صحيح. اهـ. وقال البوصيري في زوائد ابن ماجه: هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات. اهـ. وقال الحافظ ابن كثير في (النهاية): تفرد به ابن ماجه، وهذا إسناد قوي صحيح، والظاهر أن المراد بالكنز المذكور في هذا السياق، كنز الكعبة، يقتل عنده ليأخذه ثلاثة من أولاد الخلفاء، حتى يكون آخر الزمان، فيخرج المهدي، ويكون ظهوره من بلاد المشرق، لا من سرداب سامراء، كما تزعمه جهلة الرافضة ... اهـ.
وذكر ابن كثير في النهاية إسناد الترمذي لحديث أبي هريرة مرفوعا: يخرج من خراسان رايات سود، فلا يردها شيء حتى تنصب بإيلياء. وقال: هذا حديث غريب، وهذه الرايات السود ليست هي التي أقبل بها أبو مسلم الخراساني، فاستلب بها دولة بني أمية في سنة اثنتين وثلاثين ومائة، بل رايات سود أخر، تأتي بصحبة المهدي، وهو محمد بن عبد الله العلوي الفاطمي، الحسني -رضي الله عنه- يصلحه الله في ليلة، أي يتوب عليه، ويوفقه، ويفهمه، ويرشده بعد أن لم يكن كذلك، ويؤيده بناس من أهل المشرق ينصرونه، ويقيمون سلطانه، ويشدون أركانه، وتكون راياتهم سوداء ... والمقصود أن المهدي الممدوح، الموعود بوجوده في آخر الزمان، يكون أصل خروجه وظهوره من ناحية المشرق، ويبايع له عند البيت. اهـ.
وقال صاحب كتاب (عقد الدرر في أخبار المنتظر): لعل معنى قوله عليه الصلاة والسلام: "فإن فيها خليفة الله المهدي" أي فيها توطئة، وتمهيداً لسلطانه، كما سبق في حديث عبد الله بن الحارث آنفاً. اهـ.
يعني ما رواه ابن ماجه بإسناده عن عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي مرفوعا: يخرج ناس من المشرق فيوطئون للمهدي يعني سلطانه. وضعفه البوصيري والألباني. وأيده أيضا بحديث ابن مسعود مرفوعا: إن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء، وتشريدا، وتطريدا، حتى يأتي قوم من قبل المشرق معهم رايات سود، فيسألون الخير فلا يعطونه، فيقاتلون، فينصرون، فيعطون ما سألوا، فلا يقبلونه حتى يدفعوها إلى رجل من أهل بيتي، فيملؤها قسطا، كما ملئوها جورا، فمن أدرك ذلك منكم، فليأتهم ولو حبوا على الثلج. رواه ابن ماجه، وضعفه البوصيري والألباني.
وأما الآثار التي رويت في أنه لا خير في العيش بعد المهدي، فلا نعلم حكما مطلقا على أسانيدها، ونسبتها للنبي صلى الله عليه وسلم، وأشهرها ما رواه الإمام أحمد من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا: أبشركم بالمهدي، يبعث في أمتي على اختلاف من الناس، وزلازل، فيملأ الأرض قسطا وعدلا، كما ملئت جورا وظلما ... فيكون كذلك سبع سنين، أو ثمان سنين، أو تسع سنين، ثم لا خير في العيش بعده. أو قال: ثم لا خير في الحياة بعده. وضعفه الألباني والأرنؤوط ومشهور بن حسن آل سلمان ومحققو المطالب العالية لابن حجر.

وعلى افتراض صحته، فإن المهدي، وعيسى عليه السلام يجتمعان في عصر واحد، كما سبق أن أشرنا إليه، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 121048.

وقد ثبت في صحيح مسلم ما يدل على أن بقاء المسيح عليه السلام بعد نزوله، سبع سنين أيضا، وهو حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا: يخرج الدجال في أمتي، فيمكث أربعين لا أدري أربعين يوما، أو أربعين شهرا، أو أربعين عاما، فيبعث الله عيسى ابن مريم كأنه عروة بن مسعود، فيطلبه فيهلكه، ثم يمكث الناس سبع سنين ليس بين اثنين عداوة، ثم يرسل الله ريحا باردة من قبل الشام، فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من خير، أو إيمان إلا قبضته، حتى لو أن أحدكم دخل في كبد جبل لدخلته عليه حتى تقبضه، فيبقى شرار الناس ... الحديث.
والجمع بينه، وبين حديث الأربعين سنة، أشار إليه الحافظ ابن كثير في النهاية، فقال: وقع في الحديث أنه يمكث في الأرض أربعين سنة. وثبت في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو، أنه يمكث في الأرض سبع سنين. فهذا مع هذا مشكل، اللهم إلا إذا حملت هذه السبع على مدة إقامته بعد نزوله، وتكون مضافة إلى مدة مكثه فيها قبل رفعه إلى السماء، وكان عمره إذ ذاك ثلاثا وثلاثين سنة على المشهور. اهـ.
وأما روايات أن اسم المهدي كاسم النبي صلى الله عليه وسلم، فلا تتعارض مع الزيادة الثابتة في روايات أخرى بأن اسم أبيه أيضا كاسم أبي النبي صلى الله عليه وسلم، والحكم للمثبت؛ لأن معه زيادة علم. فيكون اسمه: محمد بن عبد الله.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني