الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الجمع بين حديث عقد الشيطان على القافية وعدم اقترابه ممن قرأ آية الكرسي

السؤال

كيف يبقى الشيطان في خياشيم المسلم حين ينام؟ وكيف يعقد على قافيته ثلاث عقد رغم قراءته آية الكرسي؟ وكيف يوسوس له طيلة النهار وقد قرأ أذكار الصباح؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلعلك تصورت أن عقد الشيطان على قافية العبد ثلاث عقد معارض لحديث فضل قراءة آية الكرسي وأن من قرأها لم يقربه شيطان حتى يصبح، وجمع بين الحديثين الحافظ ابن حجر فقال: قَدْ يُظَنُّ أَنَّ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَالْحَدِيثِ الْآتِي فِي الْوَكَالَةِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي فِيهِ أَنَّ قَارِئَ آيَةِ الْكُرْسِيِّ عِنْدَ نَوْمِهِ لَا يَقْرَبُهُ الشَّيْطَانُ مُعَارَضَةً، وَلَيْسَ كَذَلِك، لِأَن العقد إن حُمِلَ عَلَى الْأَمْرِ الْمَعْنَوِيِّ وَالْقُرْبَ عَلَى الْأَمْرِ الْحِسِّيِّ وَكَذَا الْعَكْسُ، فَلَا إِشْكَالَ، إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ سِحْرِهِ إِيَّاهُ مَثَلًا أَنْ يَمَاسَّهُ، كَمَا لَا يَلْزَمُ مِنْ مُمَاسَّتِهِ أَنْ يَقْرَبَهُ بِسَرِقَةٍ أَوْ أَذًى فِي جَسَدِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَإِنْ حُمِلَا عَلَى الْمَعْنَوِيَّيْنِ أَوِ الْعَكْسِ فَيُجَابُ بِادِّعَاءِ الْخُصُوصِ فِي عُمُومِ أَحَدِهِمَا، وَالْأَقْرَبُ أَنَّ الْمَخْصُوصَ حَدِيثُ الْبَابِ كَمَا تَقَدَّمَ تَخْصِيصُهُ عَنِ ابن عَبْدِ الْبَرِّ بِمَنْ لَمْ يَنْوِ الْقِيَامَ، فَكَذَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ يَخْتَصُّ بِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ لِطَرْدِ الشَّيْطَانِ. انتهى.

وكذا مبيت الشيطان على خيشوم العبد تصورت معارضته، لحديث أبي هريرة في فضل قراءة آية الكرسي، وقال الحافظ في إزالة هذا التعارض ما لفظه: ثُمَّ إِنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ أَنَّ هَذَا يَقَعُ لِكُلِّ نَائِمٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَخْصُوصًا بِمَنْ لَمْ يَحْتَرِسْ مِنَ الشَّيْطَانِ بِشَيْءٍ مِنَ الذِّكْرِ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ قَبْلَ حَدِيثِ سَعْدٍ، فَإِنَّ فِيهِ: فَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ ـ وَكَذَلِكَ آيَةُ الْكُرْسِيِّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِيهِ: وَلَا يَقْرَبُكَ شَيْطَانٌ ـ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِنَفْيِ الْقُرْبِ هُنَا أَنَّهُ لَا يَقْرَبُ مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِيهِ وَهُوَ الْقَلْبُ فَيَكُونُ مَبِيتُهُ عَلَى الْأَنْفِ لِيَتَوَصَّلَ مِنْهُ إِلَى الْقَلْبِ إِذَا اسْتَيْقَظَ، فَمَنِ اسْتَنْثَرَ مَنَعَهُ مِنَ التَّوَصُّلِ إِلَى مَا يَقْصِدُ مِنَ الْوَسْوَسَةِ. انتهى.

وأما عن الوسوسة الشيطانية لمن قرأ أذكار الصباح: فإن قوة الانتفاع بالذكر والتعوذ تختلف بحسب قوة إيمان العباد وحضور قلوبهم أثناء الدعاء والتعوذ، فقد مثل ابن القيم ـ رحمه الله ـ الدعاء بالسيف، وذكر أن قوة تأثير الدعاء بحسب قوة إيمان الداعي، كما أن تأثير ضربة السيف بحسب قوة ساعد الضارب، فقد قال في مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين عند الكلام على الرقية بالفاتحة: فإن مبنى الشفاء والبرء على دفع الضد بضده، وحفظ الشيء بمثله، فالصحة تحفظ بالمثل، والمرض يدفع بالضد، أسباب ربطها بمسبباتها الحكيم العليم خلقا وأمرا، ولا يتم هذا إلا بقوة من النفس الفاعلة، وقبول من الطبيعة المنفعلة، فلو لم تنفعل نفس الملدوغ لقبول الرقية، ولم تقو نفس الراقي على التأثير، لم يحصل البرء، فهنا أمور ثلاثة: موافقة الدواء للداء، وبذل الطبيب له، وقبول طبيعة العليل، فمتى تخلف واحد منها لم يحصل الشفاء، وإذا اجتمعت حصل الشفاء ولا بد بإذن الله سبحانه وتعالى، ومن عرف هذا كما ينبغي تبين له أسرار الرقى، وميز بين النافع منها وغيره، ورقى الداء بما يناسبه من الرقى، وتبين له أن الرقية براقيها وقبول المحل، كما أن السيف بضاربه مع قبول المحل للقطع، وهذه إشارة مطلعة على ما وراءها لمن دق نظره، وحسن تأمله، والله أعلم. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني