السؤال
أب قال لشاب: وهبتك ابنتي، وهما راضيان بزواجهما، ومتعلقان ببعضهما، وبعد فترة وصلت البنت إلى مرحلة من الدراسة؛ فغير الأب رأيه، وأراد أن يزوجها لشاب مكافئ لها في الدراسة، وامتنع من تزويجها لذلك الشاب، وق توسط أناس كثيرون إلا أن الأب معاند، وليس هناك سبب شرعي لامتناعه؛ لأن الشاب يصلي، ويصوم، وبعيد عن الفواحش، فهل هبته لذلك الشاب، -برضى البنت في ذلك الحين- لها حكم شرعي؟ وهل يمكن الرجوع عن هبته؟ وما حكم امتناع الأب عن تزويج ابنته من ذلك الشاب؟ مع العلم أن تعلقهما ببعضهما زاد بعد هبة الأب ابنته لذلك الشاب، والاثنان جاوزا عمر الزواج، وينتظران بعضهما، والأب ممتنع ومعارض، ومعاند؟ علمًا أن الأب رجل متدين، أجيبونا -رحمكم الله- مع نصيحة وجيهة، ومؤثرة؛ لكي نوصل الإجابة إلى الأب؛ لعلها تكونون سببًا لحل هذه المشكلة، وجزاكم الله خيرًا، ولكم الشكر والتقدير.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقول الأب للشاب: وهبتك ابنتي، من غير ذكر المهر، ولا حضور الشاهدين، لا ينعقد به النكاح، فالجمهور يشترطون لصحة النكاح الإشهاد، والشافعية والحنابلة لا يصحّحون عقد الزواج إلا بلفظ التزويج، أو الإنكاح، والمالكية يشترطون لصحة التزويج بلفظ الهبة ذكر المهر، قال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: ولا ينعقد بغير لفظ الإنكاح، والتزويج. وبهذا قال سعيد بن المسيب، وعطاء، والزهري، وربيعة، والشافعي.
وقال الثوري، والحسن بن صالح، وأبو حنيفة، وأصحابه، وأبو ثور، وأبو عبيد، وداود: ينعقد بلفظ الهبة، والصدقة، والبيع، والتمليك. وفي لفظ الإجارة عن أبي حنيفة روايتان. وقال مالك: ينعقد بذلك إذا ذكر المهر.
وعليه؛ فما حصل من الأب ليس عقدًا، ولكنّه وعد غير ملزم، فيجوز للأب تزويج ابنته من غير هذا الشاب.
لكن إذا كان الشاب كفؤًا للبنت، وكانت راغبة فيه، فليس من حقّ الأب منعها من زواجه، وإلا كان عاضلًا لها، ويجوز لها في هذه الحال رفع أمرها للقاضي الشرعي؛ ليزوجها، أو يأمر وليها بتزويجها، وراجع الفتوى رقم: 32427.
لكنّ الولي –وخاصة الأب- يكون حريصًا في الغالب على اختيار الزوج الصالح لموليته، وتحصيل مصالحها في الزواج؛ لما له من الخبرة، والدراية، مع ما فطره الله عليه من الشفقة عليها.
والذي ننصح به الأب ألا يمنع ابنته من زواج هذا الشاب لغير مسوّغ، وننصح البنت بالتفاهم مع أبيها، وتوسيط من له وجاهة عنده ليقنعه بتزويجها منه، فإن أبى الوالد، فالأولى لها أن تنصرف عن هذا الشاب، ما لم يكن عليها ضرر في ترك الزواج منه، ولعلّ الله يعوضها خيرًا منه.
والله أعلم.