السؤال
شخص تعامل مع شخص على شكل مرابحة، بنسبة 3 في المائة شهريا، يستلم المرابح النقود من المالك، ويجعلها في بضاعة، وبعد بيعها يبدأ بتشغيلها، وتكررت المرابحة أكثر من مرة في فترة واحدة. وعند ما يحين الأجل لكل مرابحة، يسدد له المبلغ، فمثلا3000000 يوثق له عليها ب: 4080000، بعد سنة. وبعد انتهاء الأجل والتسديد، يستلم المبلغ من جديد، في مرابحة جديدة. وبعد فترة، عجز المرابح عن التسديد، وضاع ما عنده من تجارة (إفلاس) ومضت 3 سنوات بعد العجز، ثم أصبح ما في ذمة المرابح تركة، والمبلغ الذي سدد بين الربحات، ورأس المال تقريبا 80 بالمائة من رأس المال، والذي يفترض أنه في ذمة المرابح80 بالمائة.هل هذه المعاملة صحيحة تلزم المرابح جميعا، أم لا يلزمه إلا رأس المال، علما أن الورثة بعضهم قاصر، وبعضهم بالغ؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالسؤال غير واضح، والمتبادر منه أن المعاملة المذكورة بينك وبين رب المال، هي مضاربة؛ لأنك تأخذ منه المال لتستثمره، وله ربح بسبب ذلك، وهذا أقرب إلى المضاربة؛ لأن المرابحة هي: بيع ما ملكه، بما قام عليه وبفضل، بمعنى أنه يبيع السلعة للمشتري بالثمن الذي أشتراها به، وبزيادة عليه. وهذه الزيادة هي الربح؛ ولذلك سمي بيع المرابحة. وشروطها هي شروط البيع، كما بينا في الفتوى رقم: 255652
وأما المضاربة فهي: شراكة بين رب المال، والعامل، أو المستثمر، فرب المال مشارك برأس مال المضاربة، والمضارب -وهو العامل- مشارك بجهده وخبرته، ولا بد أن يكون الاتفاق بينهما على أن لكل منهما حصة شائعة في الربح كثلث، أو ربع، أو نصف ونحوه، فإذا حصل ربح، فهو بينهما على حسب ما اتفقا عليه مسبقاً، وإن حصلت خسارة، فهي من رأس المال، ولا يتحمل المضارب منها شيئاً؛ لأنه قد خسر جهده ووقته، فلا معنى لأن يتحمل أيضاً خسارة مادية، ولأن يد المضارب، يد أمانة، وليست يد ضمان، إلا إذا تعدى أو فرط، أو قصر في حفظ المال، أو قصر في استثماره على الوجه المتعارف عليه بين التجار.
وإذا كان المعاملة المذكورة في السؤال يقصد بها المضاربة -على ما فهمناه- فهي مضاربة فاسدة شرعا؛ لأنها قائمة على ضمان رأس المال من قبل المضارب، وذلك لأن السائل قال: إن الإفلاس أصبح في ذمة المضارب، وهو ما عبر عنه بالمرابح في سؤاله، ومن شرط المضاربة الصحيحة عدم ضمان رأس المال، إلا في حالة التعدي والتفريط، كما سبق، وراجع لبيان ذلك الفتوى رقم: 103282.
وإذا فسدت المضاربة، فلرب المال جميع المال، أو ما بقي منه، وله الربح كله في حالة حصول ربح، وعليه الخسارة كلها في حالة حصولها، وللمضارب أجر مثله.
قال ابن قدامة في المغني: الربح جميعه لرب المال؛ لأنه نماء ماله، وإنما يستحق العامل بالشرط، فإذا فسدت المضاربة، فسد الشرط، فلم يستحق منه شيئاً، ولكن له أجر مثله.
ثم ذكر من أحكام المضاربة الفاسدة: أَنَّهُ عَقْدٌ لَا يَضْمَنُ مَا قَبَضَهُ فِي صَحِيحِهِ، فَلَمْ يَضْمَنْهُ فِي فَاسِدِهِ، كَالْوَكَالَةِ، وَلِأَنَّهَا إذَا فَسَدَتْ صَارَتْ إجَارَةً، وَالْأَجِيرُ لَا يَضْمَنُ سُكْنَى مَا تَلِفَ بِغَيْرِ تَعَدِّيه وَلَا فِعْلِهِ، فَكَذَا هَاهُنَا. انتهى.
وجاء في بدائع الصنائع للكاساني: حُكْمُ الْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ، فَلَيْسَ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَعْمَلَ شَيْئًا مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِي الْمُضَارَبَةِ الصَّحِيحَةِ، وَلَا يَثْبُتُ بِهَا شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا عَنْ أَحْكَامِ الْمُضَارَبَةِ الصَّحِيحَةِ، وَلَا يَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ، وَلَا الرِّبْحَ الْمُسَمَّى، وَإِنَّمَا لَهُ أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ، سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمُضَارَبَةِ رِبْحٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ الْفَاسِدَةَ فِي مَعْنَى الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ، وَالْأَجِيرُ لَا يَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ، وَلَا الْمُسَمَّى فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ، وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ أَجْرَ الْمِثْلِ، وَالرِّبْحُ كُلُّهُ يَكُونُ لِرَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ نَمَاءُ مِلْكِهِ، وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ الْمُضَارِبُ شَطْرًا مِنْهُ بِالشَّرْطِ، وَلَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ، فَكَانَ كُلُّهُ لِرَبِّ الْمَالِ، وَالْخُسْرَانُ عَلَيْهِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُضَارِبِ فِي دَعْوَى الْهَلَاكِ. وَالضَّيَاعُ، وَالْهَلَاكُ فِي الْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ مَعَ يَمِينِهِ. انتهى.
ولمزيد من الفائدة، انظر الفتوى رقم: 161621 .
وأما لو فرضنا أن المقصود هو حقيقة المرابحة على نحو ما بيناه في مستهل الفتوى، وأن صاحبك كان يبيعك السلع بربح، لكن بثمن مؤجل، ثم تبيعها أنت بنقد لتستثمر ثمنها. فهنا يكون جميع الثمن الذي باعك السلع به، دينا في ذمتك، وعليك سداد ما بقي منه لورثته.
والأولى عرض المسألة على أهل العلم مشافهة، ولا يكتفى فيها بالسؤال عن بُعد.
والله أعلم.