السؤال
السؤال: شيخي الفاضل، بخصوص الفتوى الخاصة بي، رقم:327049 والخاصة بموضوع الغش. إجابتكم أثارت الرعب في قلبي، حيث إنكم قلتم إنه يتم الأخذ بالسنة الأخيرة، عملا برأي الشيخ ابن عثيمين (أوثق الشيوخ عندي) ولكن المشكلة أن هذ الرأي يستند إلى أن السنة الأخيرة هي التي تحتسب فيها الدرجات فقط، أو يتم على أساسها تحديد المجموع، ولكن في حالتي فكل السنوات الماضية في كلية الطب التي قمت فيها بالغش، درجاتها تضاف أيضا للمجموع التراكمي، والذي يتحدد عليه الكثير من مستقبلي كما ذكرت مثل مكان التعيين، واختيار التخصص بعد التخرج، وغير ذلك من المسائل التي تتعلق بمجموع الدرجات. فالعبرة في حالتي ليست بالسنة الأخيرة فقط؛ لأن كل السنوات تحتسب درجاتها، وتؤثر في مجموعي النهائي بعد التخرج، بل إنني أيضا قمت بالغش في بعض الامتحانات الدورية، التي انعقدت في السنة الأخيرة التي ما زالت سارية الآن، ولم تنته بعد، وما زال فيها الكثير من الوقت والامتحانات، وماذا عن الثانوية العامة التي أصلا قمت فيها بالغش، مما ترتب عليه دخولي كلية الطب أصلا؟
ما الحل شيخي الفاضل: هل لا بد من ترك كلية الطب، مع أن ذلك فيه ضياعا كبيرا للعمر، وهو قرار يصعب أن أتخذه، أو أن يتقبله أهلي، فقد أمضيت سنوات كثيرة في الكلية؟
المشكلة أن الشيخ ابن عثيمين أتخذه أوثق وأعلم مشايخي، وكل فتواه تشير إلى أن مستقبلي ومالي سيكون حراما (حسبما فهمت).
رجاء وفضلا منكم العودة لسؤالي السابق، الذي قمتم بإجابته رقم:327049 وذلك لكي تتذكروا مشكلتي كاملة.
شكرا لكم، ورزقكم الله السعادة دائما، وأعتذر عن الإثقال والإطالة. دمتم في خير.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر السائل في سؤاله السابق أنه اطلع على خلاف أهل العلم في مسألة حلية الراتب لمن توظف بشهادة حصل عليها بالغش، وذكر عن الشيخ ابن باز أن الاعتبار هنا لإتقان العمل.
وذكر أن الشيخ ابن عثيمين هو أقرب الناس إليه، وأوثقهم علما عنده، وأنه يقلده في كل المسائل.
وهذا يعني أن كلامنا أو كلام غيرنا لن يزيل الإشكال، وإلا فرأي الشيخ ابن باز، والذي سبق لنا نقله واعتماده، يسع المسلم أن يعمل به عندنا.
فإن كان السائل يسأل عن رأي الشيخ ابن عثيمين على وجه الخصوص، في مثل حاله المذكورة في هذا السؤال، ويعني بها أن الشهادة ودرجاتها لا تكون على السنة الأخيرة وحدها، وإنما تعتمد على جميع سني الدراسة، فلم نطلع على نص للشيخ في هذا الخصوص، ولكن ننبه على أن الشيخ يرى أن الغش إن وقع في مادة لا علاقة لها بالعمل، أو الوظيفة، فإن التوبة تكفيه، ويكون راتبه حلالاً.
فقد سئل الشيخ في اللقاء الشهري هذا السؤال: أنا ممن غش في الامتحان ونجح، وغش ونجح، حتى توظف في إحدى الشركات حتى بدأت آخذ مالاً، هل هذا المال يكون حراماً .. ؟
فأجاب -رحمه الله -: إذا كان الطالب ينجح بغش، فما قبل الشهادة تكفي فيه التوبة، فمثلاً: نجح في السنة الأولى والثانية والثالثة -هذا في الثانوي- لكن في الثالثة لم يغش، غش في الأولى والثانية، وفي الثالثة لم يغش، ونجح بصدق، نقول: هذا يكفيه أن يتوب إلى الله؛ لأن الوظيفة -مثلاً- مترتبة على الشهادة، والشهادة نزيهة، وكذلك لو تخرج من الكلية، وكان يغش في الأولى والثانية والثالثة، لكن في الرابعة كان الاختبار نزيهاً، فهذا يكفيه أن يتوب، ولا إشكال فيه عندنا إن شاء الله تعالى، أن ما يأخذه ويتقاضاه من الراتب المبني على هذه الشهادة حلال له، ما دامت الشهادة نزيهة. لكن المشكل إذا كان الغش في آخر شيء في الشهادة، فهذا يعني: أن الشهادة الآن مزيفة، والوظيفة مبنية على هذه الشهادة، فيبقى المال الذي يأخذه فيه شبهة. لكن أقول: إذا تاب إلى الله توبة نصوحاً، وكانت المادة التي غش فيها ليس لها صلة بالعمل الذي يقوم به، فنرجو أن يكون راتبه حلالاً. مثل أن يكون غشه في مادة لا صلة لها بالوظيفة التي توظف فيها، كأن يكون في اللغة الإنجليزية مثلاً، والوظيفة التي هو فيها لا تحتاج إلى اللغة الإنجليزية ولا صلة لها بها، فإننا نرجو إذا تاب أن يكون الراتب الذي يأخذه حلالاً. اهـ.
ويلاحظ هنا أن الشيخ لم يجزم بحرمة الراتب، وإنما قال: " فيبقى المال الذي يأخذه فيه شبهة".
وقريب من هذا ما عبر به الشيخ في موضع آخر بقوله: "نرى أن ذلك خطر على أكله وشربه الذي استفاده من الراتب".
حيث قال في (لقاءات الباب المفتوح): أما كون الإنسان ينجح بالغش، ثم يتوصل بذلك النجاح المغشوش الهزيل الرديء إلى مرتبة من المراتب، فإننا نرى أن ذلك خطر على أكله وشربه الذي استفاده من الراتب المقرر على النجاح في هذه المرحلة، ونرى أن الإنسان يجب عليه إذا تمكن أن يعيد الاختبار مرة ثانية على وجهٍ صحيح فليفعل، هذا إذا كان الغش في الشهادة التي ترتب عليها هذا الراتب. أما إذا كان في أثناء الدراسة، فهذا إذا تاب إلى الله، وكان آخر مرحلة نال الشهادة بها على وجه صحيح، فنرجو أن الله سبحانه وتعالى يتوب عليه، وأنه لا حرج عليه فيما يأخذ من الراتب بناءً على هذه الشهادة، فإذا قال: إنه غش في آخر شهادة نال بها هذا الراتب، ولا يمكنه أن يعيد الاختبار؛ لأنه جبان لا يستطيع أن يصرح، فإني أرجو إذا كانت الوظيفة التي يشغلها لا علاقة لها فيما غش فيه، أرجو أن يكون ذلك توبة صحيحة. اهـ.
وكذلك عبر الشيخ في موضع ثالث بخشيته من حرمة الراتب، فقال في (فتاوى نور على الدرب): إذا كانت هذه الشهادة مبنية على غش، فإنه يخشى أن يكون ما يأخذه من الرواتب حرام عليه؛ لأنه يأخذه وهو غير مستحق له، حيث إنه لم ينل حقيقة الدرجة، أو بالأصح لم يصل في الحقيقة إلى الدرجة التي تؤهله لهذا المنصب، فيكون أخذه للراتب من أكل المال بالباطل، فليحذر إخوتنا وأبناؤنا من الغش في الامتحان. اهـ.
ثم إن الشيخ -رحمه الله- قد صرح في موضع رابع بتوقفه في هذه المسألة، فقد سئل في (فتاوى نور على الدرب) هذا السؤال: شاب متحصل على شهادة الدبلوم المتوسط، والمشكلة بأنه في امتحان الشهادة قام بالغش في الامتحان يقول: أنا غير مقدر لعواقب الفعل هذا. والسؤال: هل المرتب الذي سأحصل عليه عندما أشتغل بهذه الشهادة حلال أم حرام، أم أنه يكفيني أن أتوب إلى الله من فعلي هذا ولا إثم عليه، أرجو الإجابة على ذلك؟
فقال الشيخ -رحمه الله-: جوابي على هذا: أني متوقفٌ في هذه المسألة، وذلك لأنه إنما استحق الراتب على قدر الشهادة، والحقيقة أن هذه الشهادة مزيفة، لكن هنا طريق، وهو أن يطلب إعادة الامتحان فيما غش فيه، فإذا نجح فيه، زال الإشكال. اهـ.
والذي استرعى انتباهنا في هذا السؤال هو قول السائل: (إنني أيضا قمت بالغش في بعض الامتحانات الدورية التي انعقدت في السنة الأخيرة التي مازالت سارية الآن .. ) فقد كان المنتظر من السائل مع اهتمامه وإلحاحه في السؤال، وإطلاعه على كلام أهل العلم، وخشيته من حرمة راتبه بعد ذلك: أن يتوب من هذا الغش، ويكون من أبعد الناس عنه.
والله أعلم.