السؤال
معروف -كما قال شيخ الإسلام، وكما هو معروف عند العلماء- أن الوالدين لا تجب طاعتهما في كل شيء، كأكل ما لا يشتهي، وزواج من لا يريد، ولبس ما لا يريد.
في يوم من الأيام قالت لي أمي: أريد أن أغسل هذه الملابس، وأعطيك ملابس جديدة، وأنا لا أريد أن أرتدي إلا الملابس التي ارتديها، وقلت لأمي: ليست لك طاعة في هذا الأمر؛ لأنني أحب أن ألبس ملابس معينة، وأنا حر، ولا أريد أن أرتدي ما شئت أنت، فأدّى بي الأمر إلى أني حلفت بالله أنني لن أدعها تغسل هذه الملابس هذه المرة، والأسبوع القادم أيضًا.
وبعد الجدال بيني وبينها، وعلو صوت أمي، حنثت؛ لأتخلص من كلامها؛ لأنها أصبحت تقول لي: إنك عاق، وأنت لست مطيعًا، وأصبحت تدعو عليّ، وغضبت عليّ، وقالت: الله يغضب عليك، فأعطيتها ملابسي تغسلها لكثرة الجدال، وعلو الأصوات على هذا الشيء التافه، فهل يصح غضبها؟ وهل الله غضبان عليّ؟ وهل حنثت، ويجب عليّ أن أدفع كفارة؟ علمًا أنني لا أستطيع دفع كفارة؛ لأنني طالب علم، وأشتري الكتب وأشياء مهمة لي عندما أجمع النقود، ومصروفي قليل، فهل يجزئ الصيام؟ وجزاكم الله خيرًا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالأمر على ما هو مذكور هنا، من أن طاعة الوالدين لا تجب بإطلاق، وأنها مقيدة عند أهل العلم، ويمكن أن يراجع في هذا فتوانا رقم: 76303. ولكن مهما أمكن الولد أن يبر والديه -وخاصة الأم- فعليه أن يفعل؛ ففي برهما خير الدنيا والآخرة، كالتوفيق للخير، ورضا الرب تبارك وتعالى، ونيل عالي الدرجات، وانظر في فضل برهما الفتوى رقم: 66308.
وإن لم تكن الملابس الجديدة هذه مشتملة على محذور شرعي، فنحسب أن الأمر فيها هين، ولا يستدعي كل هذا الخلاف مع أمك، وأن يصل الأمر إلى درجة أن تحلف يمينًا، أو أن ترفع هي صوتها عليك، ونحو ذلك مما ذكرت.
وما كان لها أن تدعو عليك، فقد جاء النهي عن هذا على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي الحديث الذي رواه مسلم عن جابر -رضي الله- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء، فيستجيب لكم.
وليس من حق أمك أن تغضب عليك لمجرد امتناعك عن لبس الملابس الجديدة، وإن لم يصدر منك أي أذى تجاهها -ولو بعبوس الوجه- لم تكن عاقًّا لها، وراجع الفتوى رقم: 299953، ففيها بيان ضابط العقوق.
وإن فعلت شيئًا يقتضي العقوق، فتب إلى الله عز وجل، واستسمح أمك، وراجع شروط التوبة في الفتوى رقم: 29785.
وقد أحسنت بتحنيثك نفسك لإغلاق باب الجدال، فقد ثبت في صحيح البخاري عن أبي موسى -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إني والله -إن شاء الله- لا أحلف على يمين، فأرى غيرها خيرًا منها، إلا كفرت عن يميني، وأتيت الذي هو خير، أو أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني.
وتلزمك كفارة يمين، وخصالها مبينة في الفتوى رقم: 2022.
وإذا لم يكن عندك مال وقت الحنث، فلا يلزمك أن تنتظر حتى تحصل على مال، بل تنتقل إلى الصيام، وراجع الفتوى رقم: 116510.
والله أعلم.