الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيفية قضاء الفوائت الكثيرة

السؤال

سألت عن كيفية قضاء الفوائت، وقد أحلتموني إلى فتاوي سابقة، ولكن لم أفهم جيدا، أود الكيفية في هذه الحالة، بداية أنا أقضي كل يوم صلاة يومين، عوضا عن السنتين اللتين لم أصل فيهما، أي مثلا مع كل صلاة صبح، أقضي صلاتي صبح، وكذلك مع كل ظهر، أقضي صلاتي ظهر، وهكذا بالنسبة لباقي الصلوات.
فما حكم القضاء بهذه الكيفية؟ فأنا لا أكمل صلوات اليوم الأول ثم الثاني، بل كما ذكرت. فهل هذا يعتبر ترتيبا؟ وهل تجب الموالاة بين قضاء الصلوات الفائتة لليوم الواحد، أم يجوز الفصل ولو طال الزمن؟ وهل إذا كان لدي وقت لقضاء أكثر من يومين، آثم إذا لم أقضي أكثر من يومين؟
وأيضا عندما تنتهي الدورة الشهرية، أنتظر يوما للتأكد من الطهر، غالبا لا ينزل شيء في ذلك اليوم، فمثلا أنتظر من العصر إلى عصر اليوم الثاني، وعندما لا ينزل شيء أغتسل وأصلي فورا ما فاتني بالترتيب من العصر إلى العصر، ولا أقضي مع كل صلاة مما فاتني في ذلك اليوم صلاة يومين؛ لأن ذلك يشق علي لكثرتها.
فما حكم ما أقوم به في هذه الحالة؟ وماذا عن قضاء صلاة اليومين التي كنت أقضيها كيف أقضيها الآن؟ فإني بعد أن أنتهي من صلاة العصر، إذا صليت معه صلاة يومين بالنسبة للعصر، أكون حينها لا أراعي الترتيب، حيث إني لم أصل صلاة يومين بالنسبة للفجر والظهر السابقين لصلاة العصر في اليوم الذي طهرت فيه؟ وأيضا اليوم السابق الذي كنت أنتظر فيه، فأنا لم أقض صلاة يومين بالنسبة للعصر والمغرب والعشاء؟
أنا في حيرة أرجو منكم أن توضحوا لي بالتفصيل كيف أوفق بين قضاء ما فاتني في ذلك اليوم الذي كنت أنتظر فيه الطهر، وبين قضاء صلاة اليومين التي كنت دائما أقضيها عوضا عن السنتين اللتين لم أصل فيهما؟ وهل إذا قضيت صلاة يوم واحد مما فاتني بغير عذر، أكون قد قضيت صلاة يومين، وذلك لأني قضيت معه صلاة اليوم الذي فاتني بعذر انتظار الطهر، أم لا يجزئ، ويجب علي قضاء يوم آخر مما فاتني بغير عذر؟ ولو افترضت أني طهرت وقت صلاة العصر، ثم اغتسلت مباشرة، وصليت العصر. فكيف أقضي الآن أيضا في هذه الحالة؟ إذا صليت صلاة يومين بالنسبة للعصر، أكون لا أراعي الترتيب، فأنا لم أقض مع الفجر والظهر صلاة يومين؛ لأني لم أكن طاهرة فيهما، أي هل يعفى عنهما أم لا؟
ولو طهرت وقت صلاة العشاء، واغتسلت. فهل يجب علي أيضا قضاء صلاة يومين مما فاتني بغير عذر، فقد يشق علي ذلك؟
أرجوا الرد بما يتناسب مع حالتي بالضبط، أي أن لا توضحوا لي بصفة عامة، بل بداية أود معرفة الطريقة الصحيحة لقضاء صلاة يومين، وأيضا توضيح (القضاء للأمثلة التي ذكرتها) لأني قد لا أفهم، أي أود أن تبينوا لي بعد الغسل ماذا أفعل بالضبط، كيف أوفق بين قضاء ما فاتني بعذر، وبين ما فاتني بغير عذر، مع العلم أني أعمل بفتوى قضاء صلاة يومين في كل يوم، وأيضا بفتوى أن الترتيب شرط وجوب وصحة. عذرا على الإطالة، وآمل أن يكون السؤال واضحا.
لكم مني جزيل الشكر.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فما دام الحال كما ذكرت من كونك تعتقدين وجوب الترتيب، فإن الصورة التي تأتين بها ليست مرتبة، وإنما يحصل الترتيب بقضاء الفوائت مرتبة بادئة بالظهر، ثم العصر، ثم المغرب، منتهية بالصبح، وهكذا، وانظري الفتوى رقم: 152031، ثم إن من علماء المالكية من يرى جواز الاقتصار على صلاة يومين في يوم، وأن هذا لا يعد تفريطا، ومنهم من يرى أنه يقضي بحسب استطاعته. وما دمت تأخذين بقول من يرى أنك تقضين صلاة يومين في يوم، فيسعك هذا إن شاء الله.

وكيفية القضاء تكون بأن تنظري وقت فراغك، فتبدئين بالظهر ثم العصر وهكذا، حتى تتمي هذين اليومين، وسواء قضيتهما في وقت واحد، أو في أوقات مختلفة في اليوم، والمقصود أن يحصل قضاء اليومين.

قال في مواهب الجليل، مبينا كيفية القضاء لمن عليه فوائت كثيرة: وَإِنْ ذَكَرَ صَلَوَاتٍ كَثِيرَةً، صَلَّاهَا عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِ كَمَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ، وَذَهَبَ فِي حَوَائِجِهِ، فَإِذَا فَرَغَ صَلَّى أَيْضًا حَتَّى يُتِمَّ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ، وَيُصَلِّيَ صَلَاةَ اللَّيْلِ فِي النَّهَارِ، وَيَجْهَرُ، وَصَلَاةَ النَّهَارِ فِي اللَّيْلِ، وَيُسِرُّ. ابْنُ نَاجِي: أَرَادَ بِقَوْلِهِ: وَذَهَبَ فِي حَوَائِجِهِ: أَيْ الضَّرُورِيَّةِ، وَظَاهِرُهَا أَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْفَوْرِ، وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا مَعَ الْقُدْرَةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقِيلَ عَلَى التَّرَاخِي، وَقِيلَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَقْضِيَ يَوْمَيْنِ فِي يَوْمٍ وَلَا يَكُونُ مُفَرِّطًا، قَالَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ صَالِحٌ، وَحَكَاهُ التَّادَلِيُّ. انتهى.

وبهذا التقرير يندفع ما سألت عنه في مسألة الحيض؛ لأنك في اليوم الذي تطهرين وتغتسلين فيه، ستصلين صلاة يومين بالصفة المبينة، فلا إشكال إذاً، ولكننا ننبهك إلى أنه لا يجوز لك تأخير الغسل بعد رؤية الطهر، ويجب عليك المبادرة به، وبالصلاة على ما نفتي به، ومن العلماء من يرى أن لك أن تؤخري اليوم ونصف اليوم، إذا رأيت الطهر بالجفوف؛ لأن عادة الدم أنه يجري وينقطع، وما نفتي به أحوط، وانظري الفتوى رقم: 118817، فإذا بادرت بالغسل والصلاة، لم تكن عليك صلوات فوائت يلزمك قضاؤها. وننبهك كذلك إلى أنك حيث أخطأت في الترتيب بين الصلوات، فيسعك الأخذ بقول من لا يوجبه، ومن ثم تعتدين بصلواتك السابقة فإن هذا أرفق بك، والقول بعدم وجوب الترتيب قول أئمة كبار، وله قوة واتجاه، وانظري الفتوى رقم: 134759.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني