الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله خيرا على حرصك على دينك والاستقامة عليه، ونسأله سبحانه أن يحفظك ويثبتك على الحق حتى الممات ونوصيك بالاستعانة بالصبر، فعاقبة الصبر خير كثير، وقد ذكرنا شيئا من فضائله في الفتوى رقم: 18103.
وينبغي أن تكثري من دعاء الله سبحانه وسؤاله التوفيق والثبات، ومن الأدعية المناسبة لهذا المقام ما رواه الترمذي عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، فقلت: يا رسول الله؛ آمنا بك وبما جئت به، فهل تخاف علينا؟ قال: نعم، إن القلوب بين إصبعين من أصابع الله يقلبهما كما يشاء.
وروى الطبراني عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: يا ولي الإسلام وأهله، ثبتني به حتى ألقاك. صححه الألباني في السلسلة الصحيحة.
وبخصوص جلوسك في مجلس الغيبة والنميمة: فلا يجوز لك ذلك ولو مع تشاغلك عنهم، فحضور المسلم في مكان المنكر محرم إلا لغرض صحيح كالإنكار على فاعليه، قال تعالى: وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ {الأنعام:68}.
قال ابن العربي: وهذا دليل على أن مجالسة أهل الكبائر لا تحل. اهـ.
وخوفك من وصفهم لك بالتشدد لا يسوغ الجلوس معهم، وإرضاء الناس غاية لا تدرك، فاجعلي همك إرضاء الله عز وجل، روى الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من التمس رضاء الله بسخط الناس كفاه الله مؤنة الناس، ومن التمس رضاء الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس.
ثم إنه ينبغي لك أن تكوني قدوة لهم، وهذا لا يمكن أن يتحقق مع جلوسك معهم حين فعلهم المنكر.
وذهابك إلى السوق إذا كان معه التزام بالضوابط الشرعية من الستر والحجاب وتجنب الاختلاط وأمثال ذلك، فلا بأس به ولكن الأفضل عدم الذهاب إلى هنالك لغير حاجة، فالأسواق مأوى الشياطين ومواضع للفتن كما لا يخفى، ولذا جاء في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أحب البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها.
والخروج للترويح عن النفس يمكن أن يحصل في أماكن تنتفي فيها المحاذير الشرعية، وإذا كان أهلك لا يرتضون استقامتك وحجابك فنخشى أن يكون مثل هذا استدراجا منهم لك، فإذا تساهلت معهم في الخروج إلى الأسواق ربما أصابتك الغفلة وتساهلت فيما هو أعظم من ذلك، فتنبهي لذلك، واحرصي على دينك حرصك على مالك وأشد، وقد أحسن من قال:
فالدين رأس المال فاستمسك به * فضياعه من أعظم الخسران.
ونوصيك بأن تكوني فاتحة أبواب خير لأهلك، وسوقهم إلى الدين والهداية ولا تيأسي، ومن أفضل المداخل لهذا حلقات تعليم القرآن، مع الترفق بهم والتدرج في أمر الإصلاح، فالإيمان إذا استقر في القلوب سهلت بعده الاستجابة، روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر، لقالوا: لا ندع الخمر أبدا، ولو نزل لا تزنوا، لقالوا: لا ندع الزنا أبدا.
وتذكري أن التسبب في هداية الناس إلى الحق قربة عظيمة وأجر جزيل، ففي الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا.... الحديث.
فتذكر مثل هذه المعاني مما يعين على الصبر في طريق الدعوة، وإنك إن وفقت في هداية بعضهم كانوا عونا لك على الحق، وفي هذا مصلحة الدين والدنيا.
والله أعلم.