السؤال
أنا شاب مسلم، عقدت قراني على فتاة منذ عام تقريبا، ونحن نحب بعضنا حبا جما، وفي يوم كنا نتحدث عبر الهاتف، حيث أدرس في تركيا، وهي في بلاد أخرى، وكان قد توفي لي عزيز منذ فترة وجيزة... فخضنا في نقاش، فغضبت كثيرا، وقلت لها علي الطلاق منك أن تقولي ما حصل، وقد كانت تنصحني كثيرا بأن لا أتعود على الحلف بالطلاق، فما كان منها إلا أن قالت من الغد ابدأ بقول طلقني بصيغة استنكارية، وبسبب سوء الاتصال وغضبي خيل إلي أنها تقول من الغد لا أريدك، طلقني، فخرجت كلمة الطلاق مني، مع العلم أنني لم أقصدها، ولم أدرك ما قلت، ولم أرد الانفصال، وندمت ندما كبيرا لا يعلمه إلا الله، وقد حدثت بيننا خلوات كثيرة دون وجود مانع من الدخول، ولكن لم يتم الدخول، وأريد أن أردها، ونخاف من رفض الأهل ونظرة المجتمع، فهل بانت مني؟ أم يمكنني ردها، حيث قلت لها رددتك إلى نفسي وقبلت؟ وهل وقع الطلاق بسبب الغضب وسوء الفهم أم لا؟
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فحاصل سؤالك أنّك عقدت على امرأتك، وخلوت بها خلوة صحيحة، ولم تدخل بها، وفي أثناء غضب شديد حلفت بطلاقها أن تقول لك ما حصل، ثم تلفظت بصريح الطلاق بعد ما فهمت من كلامها أنها تسألك الطلاق، ولا تريدك، ثم علمت أنها لم تقل ذلك.
فأمّا الغضب: فليس مانعاً من نفوذ الطلاق مادام عقلك ثابتاً، قال الرحيباني رحمه الله: وَيَقَعُ الطَّلَاقُ مِمَّنْ غَضِبَ وَلَمْ يَزُلْ عَقْلُهُ بِالْكُلِّيَّةِ. اهـ وراجع الفتوى رقم: 337432.
وأمّا كونك طلقت لظنك أنها أرادت الطلاق، ولولا ذلك لما تلفظت بالطلاق، ثم تبين لك أنها لم تقل ذلك، ولم تقصد طلب الطلاق، فالراجح عندنا عدم وقوع هذا الطلاق، وهو قول بعض المحققين من العلماء، قال ابن القيم رحمه الله: ...والمقصود أنه إذا علّل الطلاق بعلة ثم تبين انتفاؤها فمذهب أحمد أنّه لا يقع بها الطلاق، وعند شيخنا لا يشترط ذكر التعليل بلفظه، ولا فرق عنده بين أن يطلقها لعلة مذكورة في اللفظ أو غير مذكورة، فإذا تبين انتفاؤها لم يقع الطلاق، وهذا هو الذي لا يليق بالمذهب غيره، ولا تقتضي قواعد الأئمة غيره.
وأمّا حلفك بالطلاق: فالمفتى به عندنا وقوع الطلاق بالحنث فيه، فإذا كانت زوجتك لم تخبرك بما حصل على الوجه الذي قصدته، وفي الوقت الذي نويته، فقد وقع طلاقها، وهذا قول جمهور العلماء، وذهب بعض أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية إلى التفريق بين ما إذا كنت قصدت بهذه اليمين إيقاع الطلاق، وما إذا كنت قصدت مجرد التهديد أو التأكيد، ففي هذه الحال لا يقع الطلاق بحنثك وتلزمك كفارة يمين، وراجع الفتوى رقم: 11592.
وفي حال وقوع طلاقك فهو بائن عند أكثر أهل العلم، فلا تملك الرجعة إلا بعقد جديد، وذهب الحنابلة إلى أنّ الخلوة الصحيحة تقوم مقام الدخول في كون الطلاق رجعيا، فعلى قولهم تجوز لك مراجعة زوجتك دون عقد جديد، مع العلم بأنّ الرجعة لا يشترط لها رضا الزوجة، وانظر الفتوى رقم: 242032.
فالخلاصة أنّ الذي نرجحه أنّ الطلاق الصريح الذي تلفظت به بسبب سوء فهم كلام الزوجة لم يقع، وأنّك إذا كنت حنثت في اليمين فقد وقع طلاقك، والأحوط أن تعقد عقداً جديداً.
والله أعلم.