السؤال
شركة عطاءات تقوم عدة جهات بالتقديم لها، فمن وافق تقديمه ما تريده الشركة فإنه يختار وينفذ له عطاؤه، وقد قام أحد الموظفين بالشركة بإخبار إحدى الجهات المقدمة بما تريده الشركة، ثم قامت الشركة بقبول عطائه، وبعد ذلك قامت الجهة التي فازت بإعطاء هذا الموظف مبلغا من المال جزاء خدمته، فقام هذا الموظف بإعطاء المال لزوجته، فقامت زوجته باستثمار المال، فنمى المال وزاد وكانت تنفق منه أحيانا، وتأكل منه أحيانا، فهل هذا المال حرام؟ وإن كان كذلك، فكيف يتخلص منه مع العلم أن هذا المال دخل في أشياء كثيرة، ولا يعرف مقداره بالضبط؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز لموظف في شركة للعطاءات أن يخبر أحدا من المتقدمين لها بما تريده الشركة، كما لا يجوز له أخذ شيء من المال في مقابل ذلك، فإن فعل فقد أخذه سحتا، والواجب على من أخذه أن يتوب إلى الله تعالى، وينفق هذا المال أو مثله في مصارف البر وأعمال الخير، ولا يرده على باذله، لئلا يجمع له بين العوض والمعوض. وراجع في ذلك الفتويين رقم: 212254، ورقم: 269590.
وكذلك من وُهب إياه وهو يعلم بحقيقة الحال، فلا يحل له، والواجب عليه كالواجب على آخذه: أن ينفقه في أوجه البر، فإن أنفقه أو استثمره فعليه أن يخرج مثل أصله، وأما ربحه فهو له، فإن الشافعية والمالكية يرون أن ربح المال المغصوب في حق الغاصب ـ فضلا عن المال المقبوض بغير حق بالنسبة للموهوب له لا الغاصب نفسه ـ تبع للجهد لا لرأس المال، ومن ثم يكون الربح الناشئ عن استثمار المال الحرام للآخذ، لا لرب المال، واستدلوا لذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: الخراج بالضمان. رواه أحمد وأصحاب السنن، وصححه ابن القطان، وحسنه الألباني.
وانظر الفتويين رقم: 112951، ورقم: 50753.
وأما من وُهب له شيء من هذا المال، وهو لا يعلم حقيقته، فلا إثم عليه في قبوله والتصرف فيه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ما في الوجود من الأموال المغصوبة والمقبوضة بعقود لا تباح بالقبض، إن عرفه المسلم اجتنبه، فمن علمت أنه سرق مالا أو خانه في أمانته أو غصبه فأخذه من المغصوب قهرا بغير حق، لم يجز لي أن آخذه منه، لا بطريق الهبة، ولا بطريق المعاوضة، ولا وفاء عن أجرة، ولا ثمن مبيع، ولا وفاء عن قرض... فإذا لم أعلم حال ذلك المال الذي بيده بنيت الأمر على الأصل، ثم إن كان ذلك الدرهم في نفس الأمر قد غصبه هو ولم أعلم أنا، كنت جاهلا بذلك، والمجهول كالمعدوم... فإذا نظرنا إلى مال معين بيد إنسان لا نعلم أنه مغصوب ولا مقبوض قبضا لا يفيد المالك واستوفيناه منه أو اتهبناه منه أو استوفيناه عن أجرة أو بدل قرض، لا إثم علينا في ذلك بالاتفاق... والقبض الذي لا يفيد الملك هو الظلم المحض، فأما المقبوض بعقد فاسد كالربا والميسر ونحوهما، فهل يفيد الملك؟ على ثلاثة أقوال للفقهاء:
أحدها: أنه يفيد الملك، وهو مذهب أبي حنيفة.
والثاني: لا يفيده، وهو مذهب الشافعي وأحمد في المعروف من مذهبه.
والثالث: أنه إن فات أفاد الملك، وإن أمكن رده إلى مالكه ولم يتغير في وصف ولا سعر لم يفد الملك، وهو المحكي عن مذهب مالك. اهـ.
والخلاصة أن الواجب هو إخراج قدر أصل هذا المال في أوجه البر، وهذا إنما يجب على الزوج الذي أخذ المال، أو على زوجته التي وهبها إياه ـ أعني المال الحرام ـ إن كانت تعلم بحقيقته.
والله أعلم.