السؤال
لديّ عم كبير، حجر عليه أولاده ظلمًا، إلا ولدٌ واحد، ثم حكمت المحكمة لعمي، ورفعوا عن أمواله الحجر، وبعدها بفترة قصيرة سمعنا أنه سجل كل أملاكه لابنه الذي لم يحجر عليه، مع العلم أن أملاكه كثيرة -عقارات وأموال في البنك-، وسمعنا -والله أعلم- أيضًا أن الابن قد ضغط على عمي ليسجل كل أملاكه له غصبًا.
سؤالي الأول: هل يجوز أن يسجل عمي كل أمواله لابن واحد، وهم ستة أولاد، وابنتان؟ وهل عليه إثم، وإن كانوا عاقين؟ ولو تصرف فيه كله في وجوه الخير ليحرم أولاده، فهل يأثم أم يحق له؟
سؤالي الثاني: لقد تصدق الابن الأخير لرحم أبيه، وأنا من ضمنهم، لكن لشكّي في مصدره، وأنه مسروق، وغيره من الظلم، تصدقت به كله، وقد لامونني، ولكني -ولله الحمد- مقتنعة بما فعلت، فهل لي أجر الصدقة، أم أجر التخلص من مال خبيث مشبوه؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن كان المقصود بتسجيل الرجل أمواله لابنه، أنه أوصى له بهذا المال بعد موته، فهذه وصية محرمة، لا تجوز، إلّا أن يجيزها جميع الورثة، حال كونهم بالغين راشدين؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث. رواه أبو داود، وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تجوز وصية لوارث، إلا أن يشاء الورثة. رواه الدار قطني.
وأمّا إذا كان المقصود الهبة الناجزة، بحيث يحوز الولد المال، ويملك التصرف فيه في حياة والده، فالراجح عندنا أنّ هبة الوالد لولده يجب فيها التسوية بين جميع أولاده، ولا يجوز له أن يفضل بعضهم على بعض، ولو كان بسبب برّ بعضهم وعقوق الآخرين، كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 163591.
ولا يجوز للوالد أن يهب أمواله في أوجه الخير بقصد حرمان أولاده من الميراث، وإن كان تصرفه نافذًا في الظاهر، لكنه يأثم بهذا القصد، وراجع الفتوى رقم: 106777.
وإذا كان الولد قد أكره أباه على هبة ماله له، فهو غاصب، لا يحل له المال، وإذا أعطى منه لغيره، وهو عالم بذلك، فلا يجوز له قبول هذا المال، وإذا أخذه، فعليه أن يرده إلى صاحبه، قال ابن تيمية -رحمه الله-: فَمَنْ عَلِمْت أَنَّهُ سَرَقَ مَالًا، أَوْ خَانَهُ فِي أَمَانَتِهِ، أَوْ غَصَبَهُ، فَأَخَذَهُ مِنْ الْمَغْصُوبِ قَهْرًا بِغَيْرِ حَقٍّ، لَمْ يَجُزْ لِي أَنْ آخُذَهُ مِنْهُ؛ لَا بِطَرِيقِ الْهِبَةِ، وَلَا بِطَرِيقِ الْمُعَاوَضَةِ، وَلَا وَفَاءً عَنْ أُجْرَةٍ، وَلَا ثَمَنَ مَبِيعٍ، وَلَا وَفَاءً عَنْ قَرْضٍ، فَإِنَّ هَذَا عَيْنُ مَالِ ذَلِكَ الْمَظْلُومِ.
والمال الحرام لا يصح التصدق به، ولكن يتخلص الإنسان منه بصرفه في المصالح العامة، أما المال الذي فيه شبهة، فيجوز التصدق به. وانظر الفتوى رقم: 18530.
والله أعلم.