الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

توبة من أخذ مالًا حرامًا من خلال بطاقات الائتمان واشترى به شقة

السؤال

انا سيدة عمري 65 عامًا، مريضة بالسرطان -نسأل الله العافية- متزوجة، وليس عندي أولاد، ومنذ زمن طويل أخذت مبلغًا من المال بغير حق من خلال بطاقات الائتمان أثناء إقامتي بدولة أوروبية، واختلط الخبيث بالطيب، ولا أملك إلا شقة في بلد ساحلي أؤجرها للمصيف، ومنذ زمن طويل تُبت إلى الله، ورزقني الله زوجًا صالحًا أخذ بيدي إلى الحق والطريق المستقيم، وكان هدفنا إرضاء الله، وهذا الدينُ يقتُلني كل يوم، ولقد هداني الله إلى فكرة، وهي أن أتبرع بهذه الشقة لأي دار أيتام، أو مستشفى، أو ملجأ؛ ليستفيدوا منها بعد وفاتي -علها تقضي ديني- فهل هذا يجوز؟ وماذا عن الورثة؟ هل عليّ وزر في هذا؟ وأنا –والله- أفعل هذا لسداد ديني فقط، وليس القصد حرمانهم من الميراث، وهل من اللازم إخبار زوجي بهذا؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله أن يتقبل توبتك، وأن يمحو حوبتك، وأن يسبغ عليك لباس الصحة، والعافية.

واعلمي أن الشقة إن كانت حقًّا لغيرك، فيجب عليك التخلص منها فورًا، ولا إذن لزوجك ولغيره في ذلك، ولا يسوغ لك تأخيره إلى وفاتك.

ولو مت فإن الشقة تظل حقًّا لأصحابها، ولا يستحق ورثتك منها شيئًا أبدًا، فلا وجه البتة للسؤال عن حق ورثتك فيما هو ليس حقًّا لك أنت أصلًا!

وبعد هذا نقول: إن المال المأخوذ بغير حق: يكون الخروج من تبعته بالتوبة إلى الله تعالى، والتي تتضمن رد الحق لأصحابه، إن أمكن الوصول إليهم، وإلا بالصدقة به عنهم، إن تعذر ذلك، قال الغزالي -في كيفية التوبة من الذنوب التي بين العبد وبين الناس في المال-: يجب أن ترده عليه إن أمكنك، فإن عجزت عن ذلك -لعدم، أو فقر- فتستحلّ منه، وإن عجزت عن ذلك- لغيبة الرجل أو موته، وأمكن التّصَدُّقُ عنه- فافعل، فإن لم يمكن، فعليك بتكثير حسناتك، والرجوع إلى الله تعالى بالتضرّع، والابتهال إليه أن يرضيه عنك يوم القيامة. اهـ.

فإن لم يمكنك الوصول إلى أصحاب الحقوق -كما هو الشأن غالبًا في أخذ أموال الناس عبر بطاقات الائتمان- فإنك تتصدقين عنهم بقدر ما أخذته منهم -إن كنت تتذكرين قدره، وإلا فتجتهدين في تقديره بما يغلب على ظنك-.

مع التنبه إلى أن الشقة إنما يلزمك الصدقة بها عن أصحاب الحق، إن كانت بقدر المال الذي أخذته، أو بعضه، ولم يكن لك ما تتصدقين به عن حق أصحاب الحق غير تلك الشقة.

علمًا أن من كان عنده مال حرام، فله أن يتصدق به على نفسه، إن كان فقيرًا، جاء في المجموع للنووي - نقلًا عن الغزالي في معرض كلامه عن المال الحرام والتوبة منه ما نصه: وله أن يتصدق به على نفسه وعياله، إذا كان فقيرًا؛ لأن عياله إذا كانوا فقراء، فالوصف موجود فيهم، بل هم أولى من يتصدق عليه، وله هو أن يأخذ قدر حاجته؛ لأنه أيضًا فقير. اهـ.

وراجعي للفائدة في التوبة من السرقة ونحوها الفتويين: 136917، 139763.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني