الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ستر مرتكب المعصية هو الأصل

السؤال

شاهدت في صغري (12 سنة) والدتي بصدد خيانة والدي مع زميلها في العمل في منزلنا. صدمت مما رأيت، لكن كتمته حتى عن أمي. علما بأن أبي كان يضرب والدتي، وكان عنيفا معنا بشكل لا يطاق، كما أن والدي -أصلحه الله- لم يكن يحرص على مراعاة وفرض الضوابط الشرعية بالبيت (الخمر والاختلاط إلخ..) مع مروري بفترة المراهقة (16 سنة) أصبحت أرفض تدخل والدتي في حياتي ودراستي. والحق يقال لقد تعبت وتفانت في سبيل نجاحي. فذكرت لها ما رأيت منها مع زميلها، فخافت ولزمت الصمت بعض الوقت، حتى فاتحت خالتي الصغرى في الأمر، فنصحتها بعدم الاكتراث بي، وتكذيبي، والله يشهد على ما رأيت وعلى صدقي. خالتي هذه صاحبة أخلاق سيئة، وقد أدى تحريضها علي، إضافة لصغري آنذاك ومراهقتي الصعبة، أدى ذلك لتفاقم مشاكلنا إلى حد قيامي بضرب أمي. علم أبي بكل ما حصل، وطلب مني إخباره بحقيقة الأمر، فأخبرته ما أعلم. ساءت الأمور في منزلنا أكثر، وأضمر أبي الأمر في نفسه. ومباشرة بعد تخرجي وعملي وزواجي، ثم تخرج أختي، قام بتطليق والدتي دون أن يفضح الأمر. والآن والدتي تعيش مع أختي بمنزل العائلة، وقرب منزلي، وأقوم بمراعاتها أنا وزوجتي بقدر اللازم. لكن إحساسي تجاه والدتي أشعر بأنه مات منذ سنوات، وبأنني أقوم بمراعاتها بدافع الواجب. فما هو حكم ما قمت به شرعا: هل كان عليّ مواجهة أمي ثم إخبار أبي؟ كيف أكفر عن ضربي لها؟ هل علي شيء في مسألة طلاق والدي؟ وهل علي شيء في ضعف مشاعري تجاه أمي؟ وكيف لأمي أن تكفر عن ما فعلته؟ وهل طلاقها وحده كفيل بذلك؟
جزاكم الله خيراعلى الإجابة.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن صح ما ذكرته عن أمك وما فعلته مع زميلها في العمل، فقد أقدمت أمك بذلك على أمر منكر، فالمرأة يحرم عليها أن تدخل أحدا بيت زوجها بغير إذنه، ولو كان من محارمها، فكيف بالأجنبي؟! بل وكيف إذا كان ذلك بقصد إتيان المنكر معه؟! ولا يكفي ما كان من أمر تطليقها كفارة عن هذا الذنب، بل يجب عليها أن تتوب إلى الله عز وجل، وتستسمح أباك فيما فعلت؛ إلا أن تخشى مفسدة أعظم، فتكثر حينئذ من الدعاء له، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 109676، 29785، 18180.

وبخصوص ما فعلت أنت، فالأصل أن من اطلع على ارتكاب شخص للمعصية أن يستره، فلا يُخبر أحدا بما اطلع عليه، إلا في بعض الحالات التي سبق بيانها في الفتويين التاليتين: 312724 ، 134384. هذا مع القيام ببذل النصح له في حدود الآداب الشرعية. وبهذا تعلم أنك أخطأت وأسأت حين أخبرت خالتك بالأمر، وقمت بفضح أمك، وكذا الحال فيما قمت به من ضربك أمك، فهذا كله من العقوق البين، فالواجب عليك التوبة، وأن تطلب من أمك المسامحة.

والظاهر - والله أعلم - أنك لا إثم عليك فيما كان من الطلاق، ولا حرج عليك أيضا فيما يتعلق بضعف مشاعرك تجاه أمك؛ لأن هذه المشاعر من أعمال القلوب، وهذه الأعمال لا دخل للمرء فيها، ولا تكليف بها، ولكن الواجب عليك الحذر من أن يدفعك ذلك إلى شيء من العقوق. وانظر الفتوى رقم: 293539.

بقي أن نبين لك أن أباك إذا كان لا يزال على سوء الحال الذي ذكرت عنه من التساهل في أمر الخمور والاختلاط ونحو ذلك، فمن أعظم برك به أن تسعى في إصلاحه بالدعاء والمناصحة بالحسنى، وتسليط بعض الفضلاء عليه إن اقتضى الأمر ذلك عسى أن تكون سببا في صلاحه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني