السؤال
كيف أصون المصحف، وأبعد المستقذرات عنه؟
فقد نام أخي الصغير على فراش نجلس عليه في غرفة المعيشة، وابتلّ الفراش بعرقه، وأمي تقرأ القرآن كثيرًا، وأخشى أن تضع المصحف على الفراش المبلل بالعرق.
وقد كنت مرة أصلي، فتجمع الريق في فمي بسبب الوسوسة، وبسبب تجمع الريق سقط رذاذ من فمي على سجاد مصلى الكلية، وتركته دون تنظيف، وما زلت أخشى أن تضع إحدى الطالبات مصحفًا فوق المكان الذي سقط عليه الرذاذ، فماذا ترون في هذه الحالات التي كتبتها؟ فأنا تائهة، فأرشدوني للفعل الصحيح، ولا تقولوا لي: هذا أكثر من سؤال، فكل هذه الأسئلة تشترك فيما بينها، ولو علمتم القلق، والصداع، والرهاب الفظيع الذي أنا مصابة به؛ لأشفقتم عليّ، ولأجبتم بالتفصيل.
علموني حكم أيسر مذهب، في التالي:
1- وضع المصحف على فراش ابتل بالعرق، ولم يجف.
2- وضع المصحف على فراش ابتل بالعرق وجف، لكن لم يغسل.
3- سكوت من رأى من يضع مصحفًا على فراش مبلول بالعرق، ولم يجف، فهل الساكت هنا كَفَرَ؟ وماذا لو جف العرق، فهل الساكت عن النصح هنا كافر؟
4- ترك سجاد المصلى دون غسله، بعد إصابته برذاذ ريقي.
5- لو أصيب المصحف بعرق أخي الذي على الفراش -لا قدر الله- فهل أغسل المصحف، أم أتركه يجف دون غسله؟ علمًا أنه مصحف أمي، وليس مصحفي.
6- هل يوجد فرق بين مَن مس المصحف بمستقذر دون قصد إهانة، وبين من قصد الإهانة؟ جزاكم الله الجنة.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد تبين لنا من خلال سؤالك، أن لديك وساوس كثيرة, فلأجل ذلك ننصحك بالإعراض عنها, وعدم الالتفات إليها, فإن ذلك علاج نافع لها, وراجع الفتوى رقم: 3086.
ولا شك أن المصحف يجب احترامه, وصيانته عما لا يليق، جاء في المجموع للنووي: أجمع العلماء على وجوب صيانة المصحف، واحترامه. انتهى.
وأما اللعاب والعرق، فطاهران، ومع ذلك؛ فلا ينبغي وضع المصحف على الموضع الذي فيه اللعاب، أو العرق؛ إكرامًا للمصحف، فقد بينا في الفتوى رقم: 215881، تحريم مس المصحف بما يقذره، ولو طاهرًا، كالبصاق، والمخاط، والعرق.
فمع عدم الحاجة، لا يجوز الإقدام على وضع المصحف كذلك، وقد أجاز الشافعية محو بعض الكلمات باللعاب، وخالفهم المالكية، فحرموه ـ مع الحاجة ـ، فكيف إذا لم تكن حاجة!؟ كأن كان وضعه على شيء طاهر غير مستقذر، سهلًا ميسورًا، حتى لو وُضِع على الثوب، فيوضع على موضع بعيد عن اللعاب.
ولا يكفر الشخص بذلك، اللهم إلا إذا وضع المصحف على شيء مستقذر على وجه الاستخفاف به، فإنه كفر وردة ـ والعياذ بالله تعالى -، قال ابن حجر الهيتمي الشافعي في التحفة: وَالْفِعْلُ الْمُكَفِّرُ مَا تَعَمَّدَهُ اسْتِهْزَاءً صَرِيحًا بِالدِّينِ، أَوْ عِنَادًا لَهُ، أَوْ جُحُودًا لَهُ، كَإِلْقَاءِ الْمُصْحَفِ، أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ، بَلْ أَوْ اسْمٌ مُعَظَّمٌ، أَوْ مِنْ الْحَدِيثِ. قَالَ الرُّويَانِيُّ: أَوْ مِنَ الْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ بِقَاذُورَةٍ، أَوْ قَذِرٍ طَاهِرٍ، كَمُخَاطٍ، وَبُصَاقٍ، وَمَنِيٍّ؛ لِأَنَّ فِيهِ اسْتِخْفَافًا بِالدِّينِ، وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِ: كَإِلْقَاءِ، أَنَّ الْإِلْقَاءَ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَأَنَّ مُمَاسَّةَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِقَذِرٍ كُفْرٌ أَيْضًا، وَفِي إطْلَاقِهِ نَظَرٌ، وَلَوْ قِيلَ: لَا بُدَّ مِنْ قَرِينَةٍ تَدُلُّ عَلَى الِاسْتِهْزَاءِ، لَمْ يَبْعُدْ... اهـ.
وقد ذهب بعض العلماء إلى جواز مسه بما فيه ريق، وجوزوا إلقاء البصاق على اللوح الذي كتب فيه قرآن؛ لإزالة ما فيه، ما دام فاعل ذلك لا يريد به الاستخفاف، قال البجيرمي ـ رحمه الله ـ في حاشيته المشهورة بالتجريد لنفع العبيد: وعليه؛ فما جرت به العادة من البصاق على اللوح؛ لإزالة ما فيه، ليس بكفر، بل ينبغي عدم حرمته أيضًا. اهـ.
وقال ابن مفلح في الفروع: وَيَحْرُمُ مَسُّهُ ـ أي: المصحف ـ بِعُضْوٍ نَجَسٍ، لَا بِغَيْرِهِ فِي الْأَصَحِّ فِيهِمَا. اهـ.
والخلاصة: أن العرق واللعاب طاهران، فلا يجب غسل ما وقعا عليه، ومع ذلك؛ يجب تجنيب المصحف لهما في حالة الاختيار؛ إكرامًا له، واحترامًا لكونهما مستقذرين؛ قال الله تعالى: وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ {الحج:30}، وقال: وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ {الحج:32}.
لكن الموضوع أسهل مما تظنه السائلة، ولا سيما أنهما في الغالب إذا جفّا لم يبق لهما أثر.
ثم إن من أهل العلم من لا يرى بأسًا بوضع الريق على اللوح للحاجة، فهوّني على نفسك، واعلمي أن في الأمر سعة، ما دام الأمر ليس فيه قصد احتقار للمصحف، ولا امتهانه.
والله أعلم.