السؤال
جزاكم الله عنا، وعن الإسلام كل خير.
لي أخت تُوفيت بعد وفاة أبي، وقمت بتوزيع التركة من الأرض، وسلمت زوج أختي -أبا أبنائها- نصيبهم من الميراث، ما عدا نصيبهم من البيت، وبعد مضي سنوات عديدة، لم أقم بتسليمهم نصيبهم من البيت، وقد قمت بإجراء تغييرات كثيرة فيه، وأنفقت جميع ما عندي من الأموال، وأنا الآن مدين ومعسر، ولا أستطيع إعطاءهم حقهم من البيت، فهل يمكنني أن أبين حالتي المادية للأولاد؛ لعلهم يسامحونني، إذا عرفوا بوضعي المادي العسر؟ وهل هذا يعتبر من باب أخذ الأموال بسيف الحياء، أم أوسط طرفًا ثالثًا لتوضيح المسألة لهم؟ وهل إعطائي أباهم نصيبهم من الأرض -كانوا قصرا-، ولا أدري ما فعل بنصيبهم: هذا هل حافظ عليه أم بدده، ولكني لم أجد من أسلم له ميراثهم غيره في ذلك الوقت بصفته أباهم، فهل عليّ إثم في تسليم أبيهم نصيبهم من أرض الميراث؟ وجزاكم الله كل خير.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فليس عليك إثم في تسليم نصيب هؤلاء الأولاد لأبيهم، بل هذا هو المطلوب؛ لأن الوالد هو الأحق بالولاية على أموال أبنائه الصغار، باتفاق الفقهاء، ولا يحتاج ذلك إلى حكم قضائي، كما نبهنا عليه في الفتوى رقم: 286111.
وأما بالنسبة لنصيب الصغار من البيت، فقد أسأت بعدم تسليمه لأبيهم، كما فعلت في الأرض؛ فإن أموال الصغار مما يقع فيه الحرج، وإثم أكل المال بالباطل، حتى إن أباهم نفسه -وهو وليهم-، لا يبيع عقار أبنائه الصغار، إلا إذا دعت إلى ذلك حاجة من نفقة، ونحوها، أو كان في البيع مصلحة ظاهرة، كأن يرغب المشتري في العقار بأكثر من ثمنه، كما بينا في الفتوى رقم: 144335.
وأما مسألة طلب المسامحة من أولاد أختك، فهذا لا معنى له إن لم يكونوا راشدين بالغين، وإلا فلو كانوا لا يزالون صغارًا، فأبوهم هو وليهم، وهو من يتصرف في أموالهم، وليس من حقه التنازل عنها، أو هبة شيء منها، بل الواجب عليه هو مراعاة الأصلح لأبنائه الصغار، جاء في (الموسوعة الفقهية): لا خلاف بين الفقهاء في أنه لا يجوز للولي أن يتصرف في مال المحجور، إلا على النظر والاحتياط، وبما فيه حظ له واغتباط؛ لحديث: "لا ضرر ولا ضرار". وقد فرعوا على ذلك أن ما لا حظّ للمحجور فيه -كالهبة بغير العوض، والوصية، والصدقة، والعتق، والمحاباة في المعاوضة-، لا يملكه الولي، ويلزمه ضمان ما تبرع به من هبة، أو صدقة، أو عتق، أو حابى به، أو ما زاد في النفقة على المعروف، أو دفعه لغير أمين؛ لأنه إزالة ملكه من غير عوض، فكان ضررًا محضًا. اهـ.
وأما إن كان الأولاد قد كبروا وصاروا بالغين راشدين، فهم أهل لطلب السماح منهم، ولكن لا بد من مراعاة ما أشار إليه السائل من الأخذ بسيف الحياء، فإن ما أخذ بذلك، يكون سحتًا لا يُملَك، ويجب رده إلى صاحبه.
فإن غلب على ظن السائل أنه إن طلب منهم المسامحة، فلن يفعلوا إلا حياء، وخوفًا من المذمة، فلن ينفعه تنازلهم حينئذ، فكل ما قامت القرينة الظاهرة على أن مالكه لا يسمح به، لا يحل أخذه، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 133268.
والله أعلم.