الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فإن كنت تعنين بقولك: "بيني وبين نفسي"، أنك لم تتلفظي بالنذر، وإنما أجريته على قلبك، فهذا لا ينعقد به النذر، والنذر لا بد لانعقاده من صيغة، ولا ينعقد بحديث النفس، ولا بمجرد النية، قال في مغني المحتاج، في سياق الحديث عن أركان النذر: وَأَمَّا الصِّيغَةُ: فَيُشْتَرَطُ فِيهَا لَفْظٌ يُشْعِرُ بِالْتِزَامٍ، فَلَا يَنْعَقِدُ بِالنِّيَّةِ، كَسَائِرِ الْعُقُودِ. اهـ.
ولو تلفظت بالنذر، ولم يكن مجرد حديث النفس، فإن كان والد الطفلة موجودًا، فإن التسمية من حق الأب، وليس من حق الأم، كما بيناه في الفتوى رقم: 214963.
فإن جعل والد الطفلة تسميتها لك، ونذرت عندها أن تسميها بآمنة، فإن هذا من نذر المباح.
وقد اختلف العلماء في انعقاد هذا النوع من النذر، وفي لزومه لمن نذره، فذهب الحنابلة إلى أنه ينعقد، ولكن يخير صاحبه بين الوفاء به، أو إخراج كفارة يمين، قياسًا على اليمين.
وذهب الجمهور من أهل العلم إلى أنه لا ينعقد، ولا تجب فيه كفارة، وهذا هو المرجح في موقعنا، جاء في الموسوعة الفقهية:
نَذْرُ الْمُبَاحِ: هُوَ نَذْرُ مَا لَمْ يَرِدْ فِيهِ تَرْغِيبٌ مِنْ قِبَل الشَّارِعِ، كَالأْكْل وَالشُّرْبِ، وَرُكُوبِ الدَّابَّةِ، وَالْقِيَامِ وَالْقُعُودِ، وَالنَّوْمِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي انْعِقَادِ هَذَا النَّذْرِ، وَصِحَّةِ الاِلْتِزَامِ بِالْمُبَاحَاتِ، وَحُكْمِ الْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ بِهَا إِنْ قِيل بِانْعِقَادِهِ وَصِحَّتِهِ، وَذَلِكَ عَلَى اتِّجَاهَيْنِ:
الاِتِّجَاهُ الأْوَّل: يَرَى أَصْحَابُهُ أَنَّ مَنْ نَذَرَ مُبَاحًا، فَلاَ يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ بِهِ، وَلاَ يَصِحُّ الْتِزَامُهُ بِالنَّذْرِ، وَلاَ يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِهِ بِالأْوْلَى، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ.
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى عَدَمِ انْعِقَادِ هَذَا النَّذْرِ، وَعَدَمِ صِحَّتِهِ، بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَال: بَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ، إِذْ هُوَ بِرَجُلٍ قَائِمٍ، فَسَأَل عَنْهُ، فَقَالُوا: هَذَا أَبُو إِسْرَائِيل، نَذَرَ أَنْ يَقُومَ، وَلاَ يَقْعُدَ، وَلاَ يَسْتَظِل، وَلاَ يَتَكَلَّمَ، وَيَصُومَ، فَقَال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مُرْهُ فَلْيَتَكَلَّمْ، وَلْيَسْتَظِل، وَلْيَقْعُدْ، وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ ... فَقَدْ أَفَادَتْ هَذِهِ الأْحَادِيثُ أَنَّهُ لاَ يَنْعَقِدُ نَذْرٌ، لاَ يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ، وَنَذْرُ الْمَشْيِ، أَوِ الْوُقُوفِ، أَوْ تَرْكِ الاِسْتِظْلاَل، أَوِ الْكَلاَمِ، لَيْسَ نَذْرًا فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلاَ يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُهُ سُبْحَانَهُ، وَمِثْل هَذَا النَّذْرِ لاَ يَنْعَقِدُ، وَلاَ يَصِحُّ الْتِزَامُ هَذِهِ الأْمُورِ بِالنَّذْرِ؛ وَلِهَذَا أَمَرَ مَنْ نَذَرَ الْقِيَامَ بِالْقُعُودِ، وَمَنْ نَذَرَ الْمَشْيَ بِالرُّكُوبِ، وَمَنْ نَذَرَ تَرْكَ الاِسْتِظْلاَل بِأَنْ يَسْتَظِل، وَمَنْ تَرَكَ الْكَلاَمَ بِأَنْ يَتَكَلَّمَ، وَهَذَا مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدُل عَلَى عَدَمِ انْعِقَادِ النَّذْرِ بِذَلِكَ...
الاِتِّجَاهُ الثَّانِي: يَرَى مَنْ ذَهَبَ إِلَيْهِ أَنَّ مَنْ نَذَرَ مُبَاحًا، فَنَذْرُهُ مُنْعَقِدٌ، وَصَحِيحٌ، إِلاَّ أَنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِهِ، بَل يُخَيَّرُ فِيهِ بَيْنَ الْفِعْل وَالتَّرْكِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ.
وَاسْتَدَل هَؤُلاَءِ عَلَى ذَلِكَ بِأَحَادِيثَ، مِنْهَا: مَا وَرَدَ عَنْ بُرَيْدَةَ بْنِ الْحَصِيبِ قَال: خَرَجَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ مِنْهَا، جَاءَتْ جَارِيَةٌ سَوْدَاءُ، فَقَالَتْ: يَا رَسُول اللَّهِ، إِنِّي كُنْتُ نَذَرْتُ إِنْ رَدَّكَ اللَّهُ صَالِحًا أَنْ أَضْرِبَ بَيْنَ يَدَيْكَ بِالدُّفِّ، وَأَتَغَنَّى. فَقَال لَهَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنْ كُنْتِ نَذَرْتِ، فَاضْرِبِي، وَإِلاَّ فَلاَ، فَجَعَلَتْ تَضْرِبُ.
وَوَجْهُ الدَّلاَلَةِ أَنَّ هَذِهِ الْجَارِيَةَ قَدِ الْتَزَمَتْ بِمُقْتَضَى هَذَا النَّذْرِ أَنْ تَضْرِبَ بِالدُّفِّ، وَأَنْ تُغَنِّيَ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِنْ رَدَّهُ اللَّهُ سَالِمًا مِنَ الْغَزْوِ، وَالضَّرْبُ بِالدُّفِّ، وَالْغِنَاءُ عِنْدَ قُدُومِ الْغَائِبِ، أَبَاحَهُ الْفُقَهَاءُ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا الْتَزَمَتْهُ بِالنَّذْرِ، فَدَل هَذَا عَلَى أَنَّ نَذْرَ الْمُبَاحِ مُنْعَقِدٌ، وَصَحِيحٌ، وَأَنَّ لِلنَّاذِرِ أَنْ يَفِيَ بِهِ إِنْ شَاءَ .. اهـ.
فعلى القول الأول؛ لا يلزمك شيء، لا تسمية المولودة بآمنة، ولا كفارة اليمين.
وعلى القول الثاني؛ لا تلزمك التسمية، وأنت مخيرة بين أن تسميها آمنة، وبين أن تكفري كفارة يمين، إن عدلت عن هذا الاسم.
والله تعالى أعلم.