الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الفرق بين الفرض والواجب عند الحنابلة

السؤال

أود أن أعرف الفرق بين الفرض والواجب عند الحنابلة؛ حيث إني أضطر أحيانًا للمسح على الجورب في الوضوء، وأعلم أن المذهب الذي أجاز ذلك هو المذهب الحنبلي، وعلمت أن التسمية واجبة في المذهب الحنبلي، فهل يبطل الوضوء عند الحنابلة إن نسيتها؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فنقول لك أولًا: إن التسمية في الوضوء واجبة عند الحنابلة في معتمد المذهب، وتسقط بالسهو، وعن الإمام أحمد رواية كالجمهور أنها سنة.

وعلى المعتمد؛ فلو نسيت التسمية، فوضوؤك صحيح، سواء مسحت فيه على الخفين أم لا.

أما مسألة الفرق بين الفرض والواجب: فهو مبحث أصولي بالأصل، وله تفريعات في الفقه.

واختصار الكلام فيه أن الحنابلة كالجمهور، لم يفرقوا بينهما، فهما عندهم: اسم لما ألزم الله به المكلفين، فاستحق العقاب تاركه، وإن كانت الفروض أو الواجبات تتفاوت فيما بينها.

وأما الحنفية ففرقوا بين الفرض والواجب: بأن الفرض ما ثبت بدليل قطعي، والواجب ما ثبت بدليل ظني، والخلاف أشبه باللفظي؛ إذ لا مشاحة في الاصطلاح، هذا من حيث القاعدة الكلية.

وأما في الفروع: فقد فرق الحنابلة بين الفرض والواجب في مواضع، فجعلوا الفرض آكد من الواجب، وذلك كفروض الصلاة، وهي أركانها؛ فإنها لا تجبر بسجود السهو، بخلاف واجباتها، وكذا فروض الحج، وهي أركانه؛ فإنها لا تجبر بدم، خلافًا لواجباته، وقد وضَّح هذا المعنى العلامة الطوفي في شرحه لمختصر الروضة فقال ما عبارته: تَنْبِيهٌ: الَّذِي نَصَرَهُ أَكْثَرُ الْأُصُولِيِّينَ هُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ: مِنْ أَنَّ الْوَاجِبَ مُرَادِفٌ لِلْفَرْضِ، لَكِنَّ أَحْكَامَ الْفُرُوعِ قَدْ بُنِيَتْ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا: فَإِنَّ الْفُقَهَاءَ ذَكَرُوا أَنَّ الصَّلَاةَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى فُرُوضٍ، وَوَاجِبَاتٍ، وَمَسْنُونَاتٍ، وَأَرَادُوا بِالْفُرُوضِ: الْأَرْكَانَ، وَحُكْمُهُمَا مُخْتَلِفٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ طَرِيقَ الْفَرْضِ مِنْهَا أَقْوَى مِنْ طَرِيقِ الْوَاجِبِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْوَاجِبَ يُجْبَرُ إِذَا تُرِكَ نِسْيَانًا بِسُجُودِ السَّهْوِ، وَالْفَرْضُ لَا يَقْبَلُ الْجَبْرَ، وَكَذَا الْكَلَامُ فِي فُرُوضِ الْحَجِّ، وَوَاجِبَاتِهِ، حَيْثُ جُبِرَتْ بِالدَّمِ دُونَ الْأَرْكَانِ.

وَأَشَارَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ إِلَى الْوَجْهَيْنِ، فَقَالَ: الْفَرْضُ: هُوَ الْوَاجِبُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ؛ لِاسْتِوَاءِ حَدِّهِمَا.

وَالثَّانِيَةُ: الْفَرْضُ آكَدٌ، فَقِيلَ: هُوَ اسْمٌ لِمَا يُقْطَعُ بِوُجُوبِهِ، وَقِيلَ: مَا لَا يُسَامَحُ فِي تَرْكِهِ عَمْدًا وَلَا سَهْوًا، نَحْوَ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ.

قُلْتُ: وَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ:

فَقَالَ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا: هِيَ وَاجِبَةٌ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَهَا، وَهَذَا تَسْوِيَةٌ مِنْهُ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ.

وَقَالَ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ، وَأَنَا مَا أَجْتَرِئُ أَنْ أَقُولَ: إِنَّهَا فَرْضٌ، وَقَيْسُ بْنُ سَعْدٍ يَدْفَعُ أَنَّهَا فَرْضٌ، وَهَذَا فَرْقٌ مِنْهُ بَيْنَهُمَا.

وَكَذَلِكَ اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عَنْهُ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ، وَهَلْ هُمَا فَرْضٌ أَوْ وَاجِبٌ؟ بِنَاءً عَلَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ.

وَصَحَّحَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي «الْفُصُولِ» أَنَّهُمَا وَاجِبٌ لَا فَرْضٌ. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني