السؤال
أنا متزوج اثنتين من جنسيتين مختلفتين: الأولى لي منها طفلتان، والثانية لم أرزق منها بعد، تزوجت الأولى منذ تسع سنوات، والثانية منذ سنتين، وأواجه الآن مشاكل من الاثنتين، وكلتاهما تطلب الطلاق؛ لأنها لا تطيق علاقتي بالأخرى.
ورزقي وعملي ببلد الثانية، وأولادي ببلد الأولى، وأنا في حيرة من أمري، وأخاف أن أظلم إحداهما، والاثنتان لهما نفس القدر من الحب والمودة عندي، وأكبر همي هو توفير الحياة الكريمة للبيتين، ولكني مع الصراعات والمشاكل أصبحت في حالة إجهاد شديد، لا يسمح لي بالتفكير، أو التقدم في عملي؛ مما جعلني أفقد العمل، وبدأت الآن في عمل آخر جديد، وأحاول أن أقوم بتوفير الالتزامات المادية للبيتين، ولا أعلم ماذا أفعل: فأحيانًا أفكر بطلاق الاثنتين؛ حتى لا أظلم واحدة على حساب الأخرى، وأحيانًا أكذب حتى أرضي الأولى عن الأخرى، والعكس، لكني وصلت لمرحلة التعب النفسي؛ لدرجة أني أحيانًا أعتزل الحديث مع الناس، وأشعر بالراحة بعيدًا عنهم.
الأولى تلومني لترك أولادي، والسفر للعمل في بلد آخر، وتطلب طلاقها مقابل طلاق الثانية.
والثانية أيضًا تطلب الطلاق الآن؛ لأنها لا تطيق علاقتي بزوجتي الأولى، علمًا أنهما منفصلتان كل في بلدها، ولا تواصل مباشر بينهما، ولا أعرف ما يمكن فعله، وأخاف أن أظلم، أو أغضب ربنا، وأنا أشعر أن كلًّا منهما إحدى بناتي، كما أني تعرضت لمرض، وقمت بإجراء عملية أثرت لحد كبير على الهرمونات عندي بالتحاليل الطبية، أدّى ذلك لزيادة رغبتي الجنسية؛ لدرجة أني أحيانًا أشعر أني أحتاج إلى أن أجمعهما ببلد واحد؛ لأن كل زوجة لا تتحمل متطلباتي من الأمر، ولا أعلم ماذا أفعل لأرضي ربي في هذا الأمر؟ أرجو الرد -جزاكم الله خيرًا-.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالغيرة بين الضرات من الأمور الطبيعية التي قد لا تسلم منها امرأة، ولم يسلم منها نساء النبي صلى الله عليه وسلم مع فضلهن، وكمال عقلهن، روى البخاري ومسلم عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: ما غرت على امرأة للنبي صلى الله عليه وسلم، ما غرت على خديجة. هلكت قبل أن يتزوجني؛ لما كنت أسمعه يذكرها... الحديث.
وكون كل واحدة منهن تطلب الطلاق، أمر عادي أيضًا، فلا ينبغي أن يكون شيء من ذلك مصدرًا للقلق، والتوتر، بل قابل ذلك بالتروي، فذلك أدعى لاتخاذ ما يقتضيه العقل، والحكمة.
ويجوز لك أن تطلق أيًّا منهما، وإن طلقت إحداهما لم تكن ظالمًا لها، ولكن لا تعجل لشيء من ذلك، فالطلاق له آثاره السيئة في الغالب، وخاصة بالنسبة للأولاد، فقد يتسبب في ضياعهم.
ويجب عليك القيام بما يلزم تجاههما، وهو العدل في النفقة، والمبيت، فالعدل شرط التعدد، كما قال تعالى: فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً {النساء:3}، وفي الفتوى: 51048، تفصيل لما يجب العدل فيه، وما لا يجب العدل فيه.
وكون الزوجتين في بلدين مختلفين، لا يسقط عنك العدل بينهما في المبيت، فتعدل بينهما حسب الإمكان، كما ذكر العلماء، ونقلنا كلامهم في الفتوى: 56440.
ومن العلماء من لم يوجب عليه ذلك في حال اختلاف البلدين، نقل الحطاب المالكي في مواهب الجليل عن اللخمي قوله: إن الرجل إن كانت له زوجتان ببلدين، جاز قسمه جمعة، وشهرًا، وشهرين، على قدر بعد الموضعين، مما لا يضر به، ولا يقيم عند إحداهن إلا لتجر، أو نظر ضيعة. اهـ.
وفي حاشية قليوبي في الفقه الشافعي قوله: وقال إمام الحرمين: لا يجب القسم لمن ليست في بلد الزوج, وبه قال الإمام مالك -رحمه الله-. اهـ.
فابذل جهدك في محاولة العدل بينهما، فإن منعك من ذلك عذر، فلك مندوحة في فعل ما يتيسر.
وفي نهاية المطاف: إن اقتضى الأمر المصير للطلاق، فلا ننصحك بأن تطلقهما معًا، بل انظر من كانت المصلحة في إبقائها في عصمتك، وطلّق الأخرى، مع مراعاة جانب مصلحة العيال في ذلك.
وننبه إلى أمرين:
الأمر الأول: أنه لا يجوز لأي من زوجتيك أمرك بطلاق الأخرى، ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم... وأن تسأل المرأة طلاق أختها؛ لتكفأ ما في إنائها.
قال محمد بن أبي نصر الحميدي في تفسير غريب ما في الصحيحين: وهذا مثل لاستمالة الضرة حق صاحبتها من زوجها إلى نفسها، وسعيها في إفساد حظها منه. اهـ.
الأمر الثاني: أن الشرع قد رخص في كذب كل من الزوجين على الآخر، بما تقتضيه مصلحة الحفاظ على العشرة الزوجية، وبما لا يترتب عليه هضم حق الآخر عليه، وقد فصلنا ذلك في الفتوى: 39152.
والله أعلم.