الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم تملُّك الذهب من خلال تسلّم شهادات تمثل مقادير معينة

السؤال

أسأل عن مشروعية تملُّك وتمليك الذهب من خلال تسليم وتسلّم شهادات تمثل مقادير معينة.
أعيش في دولة في الغرب، وهنا يصدرون شهادات إلكترونية تمثل مقادير معينة من الذهب، تشتري هذه الشهادات من البنك عن طريق الإنترنت أو بالهاتف. وفي العقد مذكور أن الشهادة تعطيك الحق في مقدار معين من الذهب "غير مخصص" تشتريه بالسعر الحالي للذهب. عند دفع الأموال تستلم الشهادة فورا، ولكن من حق البنك عند مراجعة أمر الشراء، أن يلغي الطلب ويعيد الأموال المدفوعة.
من حق العميل في أي وقت بيع الشهادة للبنك بالسعر الحالي للذهب. ويمكنه أيضا المطالبة بالذهب نفسه، ولكن لا بد من وجود إخطار في هذه الحالة للبنك قبل 60 يوما من التاريخ المرجو لاستلام الذهب.
نرجو منكم أن تفتونا هل يجوز شراء هذه الشهادات؟ وهل يوجد محظور شرعي من أنه ذهب "غير مخصص" أو أنه لا يوجد تقابض للذهب نفسه في وقت العقد؟
جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالظاهر لنا أنّه لا يجوز شراء هذه الشهادات، وذلك لأمرين: أولهما أن المعقود عليه فيها غير محدد، فقد يكون كمية الذهب المذكورة، وقد يتحول العقد إلى قرض على ما ذكر السائل، من أن من حق البنك إلغاء الطلب، وإعادة المال المدفوع. مما يعني أن المبيع (المثمن) غير مستقر، فتقع الجهالة بالمثمن، وهي من مفسدات البيع ولو كان المبيع غير ذهب؛ ففي الحديث رواه أحمد والترمذي وغيرهما: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة.

قال العلامة الشوكاني في النيل: والعلة في تحريم بيعتين في بيعة، عدم استقرار الثمن في صورة بيع الشيء الواحد. اهـ.

على أن بعض أهل العلم جعل التردد بين السلفية والثمنية من مفسدات البيع أيضا، مثل ما هو الحاصل في العقد على هذه الشهادة؛ لأن البنك قد يلغي المعاملة، ويرد للمشتري ما دفعه، فتكون المعاملة قرضا، وقد لا يلغيها، فتكون بيعا.
ثاني الأمرين: عدم تحقق التقابض المطلوب في شراء الذهب.

وقد جاء في رسالة ماجستير بالمعهد العالي للقضاء، بجامعة الإمام محمد بن سعود بعنوان : الأحكام الفقهية لنوازل الذهب والفضة (في المعاملات المالية) للباحث: ناصر بن عبد الكريم بن عبد الله البركاتي.

جاء فيها: التعامل بشهادات الذهب أو حسابات الذهب، وهي شهادات تصدرها مؤسسات متخصصة، تخول صاحبها قبض كمية من الذهب، ولا يلزم أن تكون تلك الكمية معينة منفصلة عن غيرها. وقد لا تكون موجودة فعلا لدى المؤسسة في كل الأوقات.
هذا التعامل يعني أن أحد الرجال مثلا يشتري كمية من الذهب، يجري تسليمه شهادة بها يتسلم بموجبها هذه الكمية من الذهب من مخازن إحدى هذه المؤسسات، أو من مخازن متخصصة لهذه المؤسسة حق التحويل عليها بذلك، وقد لا يكون الذهب موجودا في هذه المخازن وقت المصارفة.
الذي يظهر لي -والله أعلم- أن هذا النوع من المصارفة لا يتحقق فيها معنى التقابض في مجلس العقد؛ لأمرين:

أحدهما: أن المؤسسة المتخصصة في إصدار شهادات الذهب، ليس لشهاداتها اعتبار موجب للثقة كالثقة في شيك المصدق.

حيث إن مشتري الذهب لا يستطيع التصرف فيما اشتراه في مجلس العقد؛ للاحتمال القوي في بعد هذه المخازن عن قدرته على حيازة ما اشتراه.

الثاني: أن وجود الذهب في المخازن المختصة مشكوك فيه، فقد يكون موجودا، وقد لا يوجد إلا بعد وقت لا يعلم تحديده، فيطلب من المشتري الانتظار، والرسول صلى الله عليه وسلم يعتبر من عناصر المصارفة وصحتها التفرق بين المتصارفين، وليس بينهما شيء؛ وهذا العنصر مفقود في هذه المصارفة، فضلا عن أن التقابض في مجلس العقد مفقود حسا ومعنى.
وتأسيسا على هذا، فلا يظهر لي جواز هذا النوع من المصارفة؛ لفقده شرطها. والله أعلم. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني