الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الضيق الذي يشعر به التائب من العقوق هل هو من العقوبة المعجلة؟

السؤال

عمري 25 سنة، وقد عققت والديّ - وخصوصًا أمّي- عقوقًا شديدًا، طيلة أربعة أشهر، مع العلم أن ذلك لم يسبق لي أبدًا، وقد تبت الآن، ولكني أشعر بضيق شديد؛ لدرجة أن كل شيء صعب عليّ: أكلي، وشربي، ولا أعرف ما هو هدفي، أو ماذا أصنع في حياتي، وكلمة: (لو) تؤرقني؛ لأن حياتي قبل هذا العقوق كانت حياة راحة، وسعادة.
أشعر كأني غريبة على نفسي؛ لأن هذا الفعل لا يمثلني، فقد كنت أخاف على أمّي، ولا أرضى أن يضايقها أحد، ولكن بعد فعلتي هذه، أشعر أني لا أستحق أي سعادة، أو راحة، وأقول في نفسي: ربما هذه هي العقوبة التي يعجلها الله للعاقّ. أرشدوني -جزاكم الله خيرًا-.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقد أحسنت صنعًا بتوبتك من عقوق الوالدين، وعقوق الأم خاصة، فالعقوق من كبائر الذنوب، ومن أعظم أسباب سخط علام الغيوب، ومن تمام هذه التوبة استسماحك والديك، وراجعي الفتوى: 5450، والفتوى: 127747.

وإن تبت إلى الله عز وجل توبة صادقة، قبل الله توبتك، فهو يحب التوّابين، ويفرح بتوبة عبده، فأحسني الظن به سبحانه، قال الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53}، وروى الترمذي عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله: يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني، غفرت لك على ما كان فيك، ولا أبالي، يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني، غفرت لك، ولا أبالي. يا ابن آدم، إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا، لأتيتك بقرابها مغفرة.

فأحسني الظن بربك، وكوني على حذر من أن تقعي في القنوط من رحمة الله، فإنه ذنب عظيم في ذاته، قال الله سبحانه: وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ {الحجر:56}.

واستأنفي حياتك مع والديك وكأن شيئًا لم يكن، ولا تفتحي على نفسك بابًا للشيطان بكلمة:" لو"، روى مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله، من المؤمن الضعيف، وفى كلّ خير. احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز. وإن أصابك شيء، فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا. ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان.

ولا يلزم أن يكون ما تشعرين به في نفسك من ضيق، عقوبة على ذلك العقوق، خاصة وأنك قد تبت منه.

واحرصي على بر والديك، واعملي كل ما يرضيهما، فإن هذا من أكثر ما يجلب السرور إلى نفسك، والسعادة لقلبك، ويذهب عنك الضيق، والغمّ -بإذن الله عز وجل-.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني