السؤال
أعمل محاسبًا في شركة مقاولات، واستثمار عقاري، ففي مجال الاستثمار العقاري، نعمل بنظام الأسهم، فتقوم الشركة بشراء قطعة أرض ما؛ لبناء أحد الأبراج عليها، فتقوم الشركة بالتسويق للبرج- قبل البناء، وربما قبل شراء الأرض-، فتعلن أن السهم (على المشاع) مثلًا يساوي مليون جنيه، والربح 50 % -وهذه النسبة قد تزيد وقد تقل-، فرأس المال يعود لصاحبه بعد السنة الأولى، والربح بعد السنة الثانية، والربح يأتي من مبيعات الشقق، ومن مبيعات التجاري، وأقصد بالتجاري -البدروم، والدور الأرضي، ودور الميزانين-
سؤالي الأول: علمت مؤخرًا أن الشركة اقترضت مليون جنيه من بنك، فهل يجوز لي استثمار أموالي في هذه الشركة؟ فالشركة لا تقوم على الاقتراض؛ لأن مشاريعها ناجحة، بل تأخذ أحيانًا قرضًا من أجل ظروف معينة -لا أدري ما طبيعة هذه الظروف-، فالشركة لها أيضًا حسابات في البنوك حيث تضع أموالها فيها.
سؤالي الثاني في نفس الموضوع: أعمل محاسبًا بها، فهل يجوز لي الاستمرار في العمل فيها؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فما ذكرته حول الاستثمار العقاري في الشركة، من أنها تأخذ أموال المساهمين؛ لتستثمرها في العقار، ولهم نسبة خمسين في المائة من الربح، لا حرج فيه، إذا كانت الشركة لا تضمن رأس المال لصاحبه، فتكون مضاربة صحيحة:
فإن حصل ربح، فلربّ المال بحسب النسبة المتفق عليها.
وإن حصلت خسارة، كانت في رأس المال، إن لم يحصل تعدٍّ، أو تفريط من الشركة؛ لأن المضاربة شراكة بين رب المال والعامل المستثمر، فرب المال مشارك برأس مال المضاربة، والعامل مشارك بجهده، وخبرته: فإذا حصل ربح، فهو بينهما، على حسب ما اتفقا عليه مسبقًا. وإن حصلت خسارة، فهي من رأس المال، ولا يتحمل العامل منها شيئًا؛ لأنه قد خسر جهده، ووقته، فلا معنى لأن يتحمل أيضًا خسارة مادية، إضافة إلى أن يد العامل يد أمانة، وليست يد ضمان، إلا إذا تعدّى، أو فرط، أو قصّر في حفظ المال، أو استثماره على الوجه المتعارف عليه بين التجار.
ومع ذلك؛ فقد اختلف العلماء هل اشتراط ضمان رأس المال يفسد المضاربة أم لا -مع اتفاقهم على فساد الشرط، وعدم اعتباره-، والراجح أن المضاربة لا تفسد بذلك، جاء في المغني لابن قدامة: متى شرط على المضارب ضمان المال، أو سهمًا من الوضيعة، فالشرط باطل، لا نعلم فيه خلافًا، والعقد صحيح، نصّ عليه أحمد. وهو قول أبي حنيفة، ومالك، وروي عن أحمد أن العقد يفسد به، وحكي ذلك عن الشافعي؛ لأنه شرط فاسد، فأفسد المضاربة، كما لو شرط لأحدهما فضل دراهم، والمذهب الأول.
ولنا، أنه شرط لا يؤثر في جهالة الربح، فلم يفسد به، كما لو شرط لزوم المضاربة، ويفارق شرط الدراهم؛ لأنه إذا فسد الشرط، ثبتت حصة كل واحد منهما في الربح مجهولة. اهـ.
وقد كره بعض أهل العلم مشاركة من لا يتوقى الحرام، قال الشيخ زكريا الأنصاري في شرح البهجة: ولكن تكره الشركة مع الكافر، ومن لا يحترز من الربا، ونحوه. اهـ.
وأما العمل محاسبًا في هذه الشركة التي قد تقترض بالربا، فلذلك حالتان:
الحالة الأولى: أن لا يكون لعمل المرء فيها تعلق بالاقتراض بالربا بأي صورة من صور التعلق.
وفي هذه الحالة؛ يجوز العمل في هذه الشركة.
الحالة الثانية: أن يكون عمله متعلقًا بالاقتراض بالربا.
وفي هذه الحالة؛ لا يجوز العمل في هذه الشركة؛ لأن في ذلك إعانة على المعصية، وقد قال الله تعالى: وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ {المائدة: 2}، وروى مسلم عن جابر -رضي الله عنه- قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا، وموكله، وشاهديه، وكاتبه، وقال: هم سواء. قال المناوي عن الكاتب، والشاهد: واستحقاقهما اللعن من حيث رضاهما به، وإعانتهما عليه. اهـ.
والله أعلم.