السؤال
أمي كانت تملك شيئاً يقدر بمبلغ من المال، أعطته لأخي الأكبر، وتعهد بأن يعطيها ذاك الشيء بعد فترة من الزمن، حتى لو زاد ثمنه عن الوقت الذي أخذه منها فيه. وبعد ثلاث سنوات أعطاها ثمن ذلك الشيء بنفس سعره منذ ثلاث سنوات؛ فحدثت مشكلة بينه وبين إخوته، بسبب أخذه منها شيئا وإرجاعه بنفس ثمنه، مع العلم أن ثمنه زاد كثيرا. فهي محتارة بين أن تسامح ذلك الأخ، وتنسى الموضوع، وبين أن تفتح الموضوع فيتدخل إخوته، فهي لا تريد أن تظلم أحدا، حيث إن ذلك الشيء سيؤول إليهم فيما بعد. فضميرها غير مرتاح وتريد أن تسترد باقي الثمن.
فما رأيكم ماذا تفعل: هل تصرف النظر عن الموضوع، أم تطالبه، مع العلم أن هذا الموضوع يمكن أن يثير المشاكل. لكن هي تريد أن تكون مرتاحة الضمير؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي فهمناه من السؤال أن هذه الوالدة لم تهب شيئا لابنها الأكبر، وإنما أقرضته شيئا ما، وتعهد أن يرده ولو زاد ثمنه. فنقول: الأموال التي يقترضها الناس نوعان:
فمنها المثلي: وهو ما تماثلت آحاده وأجزاؤه من الأموال، بحيث يمكن أن يقوم بعضها مقام بعض دون فرق يعتد به، كالمكيلات والموزونات، والمعدودات، والعملات النقدية.
ومنها القيمي: وهو ما لا يوجد له مثل في السوق، أو يوجد لكن مع التفاوت المعتد به في القيمة، كالعدديات المتفاوتة التي يكون بين أفرادها وآحادها تفاوت في القيمة، كالأنعام والثياب والجواهر.
فإذا كان القرض مثليا: فالواجب رد مثله، وأما إذا لم يكن مثليا فقد اختلف أهل العلم في الواجب على المقترض في بدل القرض، هل هو القيمة، أو المثل في الخلقة والصورة؟.
قال ابن قدامة في المغني: يجب رد المثل في المكيل والموزون. لا نعلم فيه خلافا ... فأما غير المكيل والموزون، ففيه وجهان: أحدهما: يجب رد قيمته يوم القرض؛ لأنه لا مثل له، فيضمنه بقيمته، كحال الإتلاف والغصب.
والثاني: يجب رد مثله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم استسلف من رجل بكرا، فرد مثله ... اهـ.
وقال الشيرازي في المهذب: يجب على المستقرض رد المثل فيما له مثل؛ لأن مقتضى القرض رد المثل ... وفيما لا مثل له وجهان: أحدهما: يجب عليه القيمة ... والثاني: يجب عليه مثله في الخلقة والصورة؛ لحديث أبي رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يقضي البكر بالبكر. اهـ.
وفي حال وجوب القيمة، فالمعتبر هو القيمة يوم ثبوته في الذمة، وهو يوم أخذ القرض.
قال ابن قدامة: إذا قلنا: تجب القيمة. وجبت حين القرض؛ لأنها حينئذ ثبتت في ذمته. اهـ.
وبهذا يُعرف هل الثمن الذي أداه هذا الأخ الأكبر هل هو موفٍ للقرض أم لا؟ فإن كان الشيء المقترض مثليا، فلم يؤد الواجب، بل يجب رد مثل القرض. وكذلك إن لم يكن مثليا وقلنا: تجب صورة مثله، فلم يؤد الواجب. وأما إن قلنا: تجب القيمة، فقد أدى ما عليه.
فالمسألة تعتمد أولا على معرفة هذا الشيء وهل هو مثلي أم قيمي؟ ثم الترجيح في مسألة الواجب في بدل القرض.
وعلى أية حال، فالحق الواجب ليس قطعيا! ولذلك لا توصف هذه الوالدة بالظلم لبقية إخوته إن هي قبلت من ابنها الأكبر رد الثمن القديم حين أخذ القرض، بل قد يكون هذا هو الواجب إن كان هذا الشيء قيميا، كما تقدم.
وعلى أية حال، فالتسامح والسماحة بين الأخوة، والحرص على البر والصلة، هو المطلوب.
والله أعلم.