السؤال
جزاكم الله خيرا على ما تقدمون في هذا الموقع للإسلام والمسلمين.
أنا امرأة متزوجة منذ عشر سنوات، ولديَّ -بفضل الله- ثلاثة أطفال أكبرهم في السابعة من العمر، تزوج زوجي عليَّ الزوجة الثانية أثناء حملي الأخير، وكان زواجه لها عن طريق الإنترنت طوال عامين كاملين بدون أطفال بينهما، ثم طلقها قبل سبعة أشهر لأخلاقها والأنانية عندها، وهي من ألحَّت بالطلاق تهديدا له بذلك، وبعد أن طلقها كانت تحاول أن يرجعها، ولأنه كان حزينا منها لم يرجعها حتى انتهت العدة، وقبل شهرين من الآن أخبرني أنه سيراجعها؛ لأنه يحبها، ولا يستطيع العيش بدونها، فأرجعها بعقد جديد، ولكن هي رأت صورا لنا، أنا وهو والأطفال قبل أن يعرفها، وأنا بنقابي الكامل في الصور، وبعد أن رأتها، خيَّرته، وقالت: إذا أردت زوجتك فعِش معها، ولكن طلقني، بالطبع زوجي اختارها، ويقول أنا جرَّبت الحياة بدونها، وقلبي لا يتحمل. عِلمًا أني حاليا في بلاد غير مسلمة، تغربت معه أنا وأطفالي، والآن يريد أن أكون أنا المسؤولة عن الأطفال، وهو يعيش معها، ويأتي لنا في أوقات متباعدة من أجل الأطفال فقط، كما وعدها بذلك خوفا على غضبها. هل تخييرها بيني وبينها جائز؟ وهل هذا من حقها؟
أرشدوني أرشدكم الله. أنا بعيدة عن أهلي، وفي بلد غربة، وهو يريد الانفصال من أجل طلبها فقط. كيف أتصرف؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يهدي زوجك، ويصلحه، ويلهمه رشده، وأن يهيِّئ لكما ما فيه الخير والصلاح.
واعلمي أنّ تخيير المرأة زوجها بينها وبين زوجته الأخرى غير جائز؛ لأنّه دائر بين سؤال الطلاق لغير مسوّغ، وبين سؤال تطليق الزوجة الأخرى، وكلاهما منهي عنه شرعًا، فعن ثوبان -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ. رواه أحمد.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: لا يحل لامرأة تسأل طلاق أختها لتستفرغ صحفتها، فإنما لها ما قدر لها. صحيح البخاري.
ونصيحتنا لزوجك إذا كان لم يطلقك أن يتقي الله، ويمسكك، ولا يطلقك، وأن يعاشرك بالمعروف، ويعدل بينك وبين زوجته الأخرى.
ونصيحتنا لك أن تتفاهمي مع زوجك، وتسأليه المعاشرة بالمعروف، والعدل في القسم، فإن أبى ذلك، فلك أن تسقطي له بعض حقوقك من القسم أو النفقة حتى لا يطلقك. قال تعالى: وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ [النساء: 128].
وقد وهبت أم المؤمنين سودة بنت زمعة يومها وليلتها لعائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- تبتغي بذلك رضا رسول الله -صلى الله عليه و سلم- والحديث متفق عليه.
وإذا لم يكن هناك سبيل إلا الطلاق، ففوضي أمرك إلى الله، وتوكلي عليه، وأحسني ظنك به، فليس الطلاق شرًا في كل الأحوال، قال الله تعالى: وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلّاً مِنْ سَعَتِهِ [النساء: 130].
قال القرطبي -رحمه الله- في تفسيره: أي وإن لم يصطلحا بل تفرقا، فليحسنا ظنهما بالله، فقد يقيّض للرجل امرأة تقر بها عينه، وللمرأة من يوسع عليها. انتهى.
والله أعلم.