السؤال
قام أحد الأشخاص بعرض قطعة أرض صالحة للبناء للبيع، وهي تمثل حوالي خمسة بالمائة من إجمالي مساحة أرضه التي يمتلكها جميعا نفس الشخص، وجميعها صالح للبناء، وأخبرني أنه لن يقوم ببيع باقي الأرض أو تقسيمها؛ لأنه سيتركها ميراثا لأبنائه، وأنه سيبيع هذه المساحة الصغيرة التي تقع في زاوية الأرض لي بسبب احتياجه لبعض المال، وقد قمت بالتوجه إلى المصلحة الحكومية المختصة قبل الشراء للتأكد من إمكانية البناء وسلامة موقف الأرض، وكان الرد بالإيجاب، فقمت بشراء الأرض، وتسديد ثمنها بالكامل، وقمت بتسجيل الأرض في الشهر العقاري.
وبعد فترة توفر معي مبلغ من المال اشتريت به بعض مستلزمات البناء، وعند التوجه للحصول على رخصة البناء رفض موظفو الجهة الحكومية المختصة بالبناء بداعي أن الترخيص لا يتم الحصول عليه إلا بعد تقسيم كامل مساحة الأرض رسميا، وهو الوضع الذي يرفضه مالك الأرض للسبب السابق ذكره إضافة إلى الكلفة العالية لرسوم التقسيم الرسمية، والتي سيتحملها بمفرده.
فأوعز إليَّ أحدهم أن هناك حلين لا ثالث لهما، وهما إما شكوى صاحب الأرض رسميا لإجباره على التقسيم، وهذا ما لا أرتضيه، لأنه أخبرني بذلك قبل الشراء- رغم أني لم أكن أعلم، ولم يخبرني أحد في الجهة المختصة بالبناء بأن ذلك يمثل عائقا في البناء- ولكني أرفض ذلك الحل. والثاني هو البناء، ودفع بعض المال لموظف الجهة المختصة لغض الطرف عن البناء حتى الانتهاء، وساعتها يصبح الوضع قانونيا. وسؤالي ما حكم الدين في الحل الثاني؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالرشوة من كبائر الذنوب؛ لقوله تعالى: وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ {البقرة:188}، ولحديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي. رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح.
لكن ما يتوصل به المرء إلى حقه أو لدفع ظلم أو ضرر عنه، ليس من قبيل الرشوة المحرمة؛ لأن الرشوة الممنوعة هي ما أعطي لإحقاق باطل أو إبطال حق، أما ما أعطي لإحقاق الحق أو إبطال الباطل فهذا غير محرم، وبذله جائز عند الجمهور.
قال صاحب تحفة الأحوذي بشرح الترمذي: فأما ما يعطى توصلًا إلى أخذ حق، أو دفع ظلم، فغير داخل فيه. روي أن ابن مسعود أُخذ بأرض الحبشة في شيء، فأَعطى دينارين حتى خلِّي سبيله، وروي عن جماعة من أئمة التابعين، قالوا: لا بأس أن يصانع الرجل عن نفسه وماله إذا خاف الظلم... وفي المرقاة شرح المشكاة: قيل: الرشوة ما يعطى لإبطال حق، أو لإحقاق باطل، أما إذا أعطى ليتوصل به إلى حق، أو ليدفع به عن نفسه، فلا بأس به.
وينبغي أن تشافه أهل العلم حيث أنت لينظروا في حالتك هذه. هل لك سبيل للوصول إلى حقك بالطرق المشروعة أم لا؟ ومن ثم تعرف أنت هل ما تريد بذله يعتبر من الرشوة المحرمة أو لا؟ لأن لديهم من الاطلاع على قانون العقار وغيره مما يتعلق بهذه المسألة ما ليس لدى غيرهم، ولا يحتاجون إلى فرض احتمالات قد لا يكون لها وجود في الواقع.
والله أعلم.