السؤال
طرأت عليَّ شبهة حول الآيتين {إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ} [المرسلات : 7] {إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ} [الأنعام : 134] لماذا نجد في المصحف الآية الأولى كتبت 'إنما' والثانية'إن ما'
{وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ} [الرعد : 40]
{وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ} [يونس : 46]
في الاولى 'إما' والثانية 'إن ما'
لماذا هذا الاختلاف مع أن الآيتين متشابهتان؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن رسم المصاحف التي بين أيدينا إنما هو اتباع لرسم المصاحف العثمانية التي كتبها الصحابة -رضي الله عنهم- بأمر من عثمان بن عفان -رضي الله عنه-، واستمر عمل الأمة على ذلك إلى يوم الناس هذا، وقد صرح غير واحد من الأئمة بوجوب اتباعهم في ذلك، فالاختلاف في رسم بعض الكلمات في مصاحفنا إنما هو تبع لما رسمت عليه تلك الكلمات في المصاحف التي كتبها الصحابة. وراجع لمزيد من الفائدة الفتوى: 146011.
وأما سبب اختلاف رسم بعض الكلمات من موطن لآخر في المصاحف العثمانية، فقد كثر كلام أهل العلم فيه، فذكروا لبعض ذلك عللا واضحة، كما ذكروا لبعضه عللا لا تخلو من تكلف، وقد سلك هذا المسلك جماعة من المتأخرين، وكان يسعهم - فيما نرى - أن يقال: إن ما لم تظهر علته هو من باب التنويع الجائز في الكتابة، وأن عرف الكتابة والرسم في زمن الصحابة كان يسوغ ذلك الاختلاف، وممن سلك هذا المسلك ابن البناء في كتابه: (عنوان الدليل في مرسوم خط التنزيل) فذكر بعض العلل في اختلاف رسم الكلمات التي سألت عنها، فقال: اعلم أن الموصول في الوجود توصل كلمته في الخط كما توصل حروف الكلمة الواحدة، والمفصول معنى في الوجود يفصل في الخط كما تفصل كلمة عن كلمة.
فمن ذلك: (إِنّما) بكسر الهمزة. كله موصول إلا حرف واحد. (إنّ ما توعَدونَ لآت) فصل حرف التوكيد لأن حرف " ما " يقع على مفصل، فمنه خير موعود به لأهل الخير، ومنه شر موعود به لأهل الشر فمعنى " ما " مفصول في الوجود والعلم.
ثم قال: وكذلك: (وَإِن ما نُريَنّكَ بَعضَ الذي نَعِدُهُم) في سورة الرعد، فرد محجوز ظهر منه حرف الشرط في الخط، لأن الجواب " المترتب " عليه بالفاء ظاهر في مواطن الدنيا، وهو البلاغ، فهذا الحرف على غير حال الحرف الآخر: (فَإِمّا نُرينّكَ) فإنه أخفي فيه حرف الشرط في الخط لأن الجواب المترتب عليه بالفاء خفي عنا. وهو الرجوع إلى الله تعالى فهذا وجه.
وله وجه آخر في الاعتبار وهو أن القضية الأولى متصلة من الشرط وجوابه. وانقسم الجواب إلى قسمين.
أحدهما المترتب بالفاء وهو البلاغ.
والثاني المعطوف عليه وهو الحساب.
وأحدهما في الدنيا، والآخرة في الآخرة.
والأول ظهر لنا، والثاني خفي عنا.
وهذا الانقسام صحيح في الوجود فقد انفصلت هذه الشرطية إلى شرطيتين لانفصال جوابهما إلى قسمين متغايرين، ففصل حرف الشرط علامة لذلك.
وإذا انفصل لزم كتبه على الوقف. والشرطية الأخرى لا تنفصل بل هي واحدة لاتحاد جوابها فاتصل حرف الشرط علامة لذلك. وهاتان الشرطيتان الجواب فيهما هو من باب الوجود فاعلمه. اهـ.
ولا يخفى ما في هذه الطريقة من التكلف، ومن عدم الاطراد في أحيان كثيرة مما يقتضي إعادة النظر فيها.
ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى: 172105. كما يمكنك الرجوع إلى: المحرر في علوم القرآن للدكتور مساعد الطيار.
والله أعلم.