الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

البرهان على أن القديم لا يجوز عليه العدم

السؤال

كل قديم بذاته يستحيل عليه العدم. أرجو ذكر البراهين والأدلة العقلية التي توضح هذا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد عقد العلامة أبو بكر الباقلاني في كتابه (تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل) بابا لهذا المعنى بعنوان: (بَاب فِي أَن الْقَدِيم لَا يجوز عَلَيْهِ الْعَدَم) قال فيه: فإن قال قائل: ولم قلتم: إن القديم لا يجوز أن يعدم. قيل له: لأجل أنه لو عدم لصح وجوده بعد عدمه على سبيل الحدوث، كما أنه قد صح له الوجود من قبل، فلو حدث لكان محدثا لنفسه قديما لنفسه؛ إذ لنفسه كان قديما، ونفسه قد وجدت لما حدثت، وهي تلك النفس بعينها، ومحال أن يكون القديم قديما لنفسه محدثا لنفسه، كما يستحيل أن يكون السواد سوادا لنفسه بياضا لنفسه، ويدل على ذلك أيضا أنه لو جاز عدم القديم بعد وجوده لوجب أن تكون ذاته مما يصح عليها العدم تارة والوجود أخرى، ولو كانت كذلك لجرت مجرى سائر الذوات المحدثات التي يجوز عليها العدم تارة والوجود أخرى، ولو كانت كذلك لاحتاجت إلى موجد يوجدها كما أن الحوادث التي هذه سبيلها لا تكون بالوجود أولى منها بالعدم إلا عند قصد قاصد وإرادة مريد، تكون موجودة بإرادته ومتعلقة بمشيئته، فلما لم يجز تعلق القديم بمحدث لم يجز عليه العدم بعد وجوده. اهـ.

وقال الإسْفَرايِيني في (التبصير في الدين): القديم لا يبطل. وإنما قلنا: إن القديم لا يبطل؛ لأن خروج الذات عن صفة واجبة لها في حال محال؛ لأنها لو جاز خروجها عن تلك الصفة لصارت جائزة الوجود، وما كان واجب الوجود لا يصير جائز الوجود، كما أن جائز الوجود لا يصير واجب الوجود بحال؛ لأنهما صفتان متناقضتان. اهـ.
وقال بعد ذلك: القديم لا يبطل، وقد دللنا عليه؛ لأن البطلان علم الحدوث، ولهذا قال إبراهيم الخليل: {لا أحب الآفلين} استدل بأفوله وبطلانه على حدوثه. اهـ.
وعلى هذه الطريقة في البرهان درج المتكلمون، كما فعل الغزالي في (الاقتصاد في الاعتقاد) وفي (قواعد العقائد) والغَزْنَوي في (أصول الدين). ونقل ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في (درء تعارض العقل والنقل) عن أبي الحسين البصري في غرر الأدلة، قال: إنما قلنا: إن القديم لا يجوز عليه العدم، لأن القديم واجب الوجود في كل حال، وما وجب وجوده في كل حال استحال عدمه. وإنما قلنا: إنه واجب الوجود في كل حال، لأنه موجود فيما لم يزل، فإما أن يكون وجوده على طريق الجواز أو على طريق الوجوب، فلو كان موجوداً على طريق الجواز، لم يكن بالوجود أولى منه بالعدم لولا فاعل، ويستحيل أن يوجد القديم بالفاعل، لأن المعقول من الفاعل هو المحصل للشيء عن عدم، وليس للقديم حال عدم فيخرجه، فصح أن وجود القديم واجب، وليس بأن يجب وجوده في حال أولى من حال، فصح أنه واجب الوجود في كل حال فاستحال عدمه. اهـ.
وقال السفاريني في (لوامع الأنوار البهية): ما ثبت قدمه، استحال عدمه، لأنه سبحانه لو قدر لحوق العدم له لكانت نسبة الوجود والعدم إلى ذاته تعالى سواء، فيلزم افتقار وجوده إلى موجد يخترعه بدلا عن العدم الجائز عليه - تقدس وتعالى عن ذلك - فيكون حادثا، واللازم باطل فكذا الملزوم؛ لأن وجوده - تعالى - واجب لذاته. اهـ.

وأخيرا ننبه على أن الكلام في هذه المسألة مبناها على معرفة حد الممتنع والواجب والممكن، وراجع في بيان هذه الحدود الفتوى: 364606.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني