الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم استئصال الثدي المتوقع إصابته بأورام خبيثة

السؤال

عندي سرطان الثدي، وسيتم استئصال الثدي وإعادته، وبحكم أن السرطان الذي عندي هرموني، طبيا يستحب استئصال الثدي الثاني؛ لكي لا يصاب بخلايا خبيثة.
سؤال: هل يجوز لي شرعا ذلك أم لا؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله تعالى أن يشفيك ويعافيك.
وأما ما سألت عنه، فحكمه متعلق بتقدير الحالة المرضية، ومرتبة الظن بحصول الخلايا الخبيثة بعد ذلك في الثدي السليم. فإن غلب على ظن الأطباء حصول ذلك، ولم يكن مجرد احتمال، مما سيوجب استئصاله حينها، فلا حرج في استئصاله من الآن، تخريجا على ما ذكروه في استئصال الأورام الحميدة التي يخشى من تحولها إلى أورام خبيثة.

قال الشيخ الدكتور محمد الشنقيطي في رسالته العلمية (أحكام الجراحة الطبية والآثار المترتبة عليها): الأصل في الأورام الحميدة أنه لا يجوز استئصالها شرعًا إلا بعد وجود الحاجة الداعية إلى ذلك، مثل ما تقدم من ضغطها على الأعضاء أو الأعصاب ونحوها من الحالات التي يوجد فيها الضرر الموجب للاستئصال. إلا أنه يدخل في حكم الحالات الجائزة الأورام الحميدة التي يخشى من تحولها إلى أورام خبيثة سرطانية. اهـ.

ثم ذكر بعض الأمثلة على ذلك وقال: فنظرًا لمكان الخوف من تحول هذه الأورام إلى أورام سرطانية مميتة، فإنه يشرع استئصالها. اهـ.

وقد ذكر قبل ذلك – حفظه الله – في مبحث: الجراحة العلاجية الحاجية. نوعين منها:
النوع الأول: الأمراض والحالات الجراحية التي يتضرر المريض بآلامها.
والنوع الثاني: الأمراض والحالات الجراحية التي يخشى من ضررها مستقبلاً، ولا يوجد فيها ألم منغص، قال:

والحاجة في هذا النوع مبنية على الضرر المتوقع حدوثه في المستقبل إذا لم يتم علاج الحالة بالجراحة ... ويشترط في الضرر أن يغلب على ظن الطبيب وقوعه، أما إذا لم يغلب على ظنه بأن كان متوهمًا مثلاً كما في جراحة استئصال اللوزتين السليمتين من الأطفال خشية التهابها مستقبلاً، فإن هذا الظن المتوهم لا تأثير له، ولا يصير به المريض محتاجًا. ... والحكم بجواز هذا النوع من الجراحة يعتبر متفقًا مع أصول الشرع وقواعده. وذلك لأن الشريعة الإسلامية راعت رفع الحرج، ودفع الضرر عن العباد، كما دلت على ذلك نصوص الكتاب العزيز، والسنة النبوية المطهرة. قال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ} وقال سبحانه: {يُرِيدُ اللَّهُ أنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفاً} .... وهذه الأمراض والحالات الجراحية اشتملت على ضرر يتأذى منه المريض المصاب بها سواء كان ذلك في حاله أو مآله، وقد راعت الشريعة الإسلامية دفع مشقتها عمومًا، أي سواءً كانت مشقتها موجودة، أو كانت متوقعة الوجود؛ للقاعدة الشرعية التي تقول: "المشقة تجلب التيسير" والآلام الموجبة للمشقة قصد الشرع دفعها كما قصد رفعها، فكما يشرع للمكلف أن يسعى في رفع مشقة الألم الموجودة بالتداوي المأذون به، كذلك يشرع له دفع وقوعها بالتداوي المزيل للأسباب الموجبة لها. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني