الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ذكر الخنصر في الروايات الواردة في تفسير قوله تعالى: "فلما تجلى ربه"

السؤال

جادلني النصارى في تفسير آية: "فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا"، فقلت التجلي يعني: ظهور خنصر الله، وهناك فرق بين التجلي والظهور، فالتجلي يعني ظهور جزء من الشيء، أما الظهور فيعني ظهور كامل الذات، فاعترض هو على التفرقة بين التجلي والظهور، فقلت: إذا أردت تفسيرها، فالظهور غالٍ، والطلب رخيص، تعني ظهور نور الخنصر، فهل قول: "غالي والطلب رخيص" في تبديل تفسير الآية كفر، أو سب لتفسير الآية الكريم. وشكرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فليس المراد من هذه العبارة: (غالي والطلب رخيص) الاستهانة بالمطلوب، والتقليل من شأنه، وإنما المراد أن تحقيق مطلوب الطالب سهل ميسور عند المطلوب منه، وهذا بعيد عن معنى الاستهزاء، أو التهوين من شأن القرآن وتفسيره، وإنما الإشكال في كلام السائل في موضعين:

الأول: هو قوله: (خنصر الله)، وهذا اللفظ لا يصح إطلاقه؛ لأنه لم يرد في النصوص الشرعية، وإنما جرى ذكر الخنصر في الروايات الواردة في ذلك؛ لبيان صغر القدر الذي تجلى؛ وذلك بتشبيهه بقدر الخنصر، أو بعضه، ففي مسند أحمد من طريق معاذ العنبري، حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا ثابت البناني، عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {فلما تجلى ربه للجبل} قال: قال هكذا - يعني أنه أخرج طرف الخنصر -.

والمقصود من ذلك بيان عظمة الله، وأنه لما تجلى بهذا القدر دُكَّ الجبل؛ ولذلك فقد رواه ابن خزيمة في كتاب: "التوحيد"، بلفظ: ووصف معاذ أنه أخرج أول مفصل من خنصره. ورواه الترمذي من طريق سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن سلمة، به، بلفظ: قال حماد هكذا - وأمسك سليمان بطرف إبهامه على أنملة إصبعه اليمنى - .

وحديث أنس صححه الضياء المقدسي في المختارة، والحاكم في مستدركه، وابن القيم في المدارج، والشوكاني في تفسيره، والألباني في صحيح ظلال الجنة.

وروى عبد الله بن الإمام أحمد، وابن أبي عاصم، كلاهما في كتاب: "السنة"، والطبري في تفسيره عن ابن عباس في هذه الآية، قال: "ما تجلى عنه إلا مثل الخنصر".

وقال ابن قتيبة في مشكل الحديث وبيانه: وأما معنى قوله: "بدا منه قدر هذا"، فالمراد به الإشارة إلى الشيء اليسير من آياته. يريد أن ما أظهر الله في الجبل من الآية كان قدرًا يسيرًا في جنب ما يقدر عليه، بالإضافة إلى ما يبديه من علاماته، ويظهره من آياته يوم القيامة. وعلى ذلك يتأول قول ابن عباس: "ما تجلى منه إلا قدر الخنصر"، وذلك أنه مثل يضرب عند تقليل الشيء، وقد جرت العادة في لغة العرب والعجم على هذا النحو ... اهـ.

وأما الموضع الثاني، فهو تفريق السائل بين التجلي والظهور، ولا ندري ما مصدر ذلك في كتب التفسير أو اللغة!!

والمعروف أن التجلي هو الظهور، قال الزجاج في معاني القرآن: {فلما تجلى ربه للجبل} أي: ظهر، وبان. اهـ. ونقله عنه أبو منصور الأزهري في (تهذيب اللغة)، ثم قال: وهو قول أهل السنة والجماعة. اهـ. وكذا قال الخليل بن أحمد في العين، ونسبه النيسابوري في التفسير البسيط لجميع أهل اللغة.

وانظر للفائدة الفتوى: 172431.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني