الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

درجة حديث: "استعينوا على النساء بالعري..."

السؤال

ما صحة هذا الأثر عن أمير المؤمنين عمر: "استعينوا على النساء بالعري، إن احداهنّ إذا كثرت ثيابها، وحسنت زينتها، أعجبها الخروج ..." إلى آخر الأثر، فقد وجدته منتشرًا كثيرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فهذا الأثر أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف، قال: حدثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مضرب، قال: قال عمر: «استعينوا على النساء بالعري، إن إحداهنّ إذا كثرت ثيابها، وحسنت زينتها، أعجبها الخروج». قال ابن كثير في مسند الفاروق: إسناد صحيح. بينما قال الألباني في السلسلة الضعيفة: فيه أبو إسحاق، وهو السبيعي، مدلس مختلط. اهـ.

وروي معنى هذا الأثر مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأسانيد واهية لا تصح.

قال ابن الجوزي في كتاب الموضوعات: باب تقليل كسوة المرأة، فيه عن مسلمة، وأنس:

فأما حديث مسلمة: فأنبأنا القزاز، أنبأنا أحمد بن علي بن ثابت، أنبأنا الحسن بن علي الجوهري، أنبأنا عمر بن محمد بن عبد الصمد المقري، حدثنا ظفر بن محمد بن خالد السراج، حدثنا بكر بن سهل الدمياطي، حدثنا شعيب بن يحيى، حدثنا يحيى بن أيوب، عن عمرو بن الحارث، عن مجمع بن كعب، عن مسلمة بن مخلد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اعروا النساء يلزمن الحجال.

وأما حديث أنس، فله طريقان: الطريق الأول: أنبأنا إسماعيل بن مسعدة، أنبأنا حمزة بن يوسف، أنبأنا أبو أحمد بن عدي، حدثنا الحسن بن سفيان، حدثنا زكريا بن يحيى الخراز، حدثنا إسماعيل بن عباد الكوفي، حدثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: استعينوا على النساء بالعري.

الطريق الثاني: أنبأنا محمد بن عبد الملك، أنبأنا إسماعيل بن أبي الفضل، أنبأنا حمزة، حدثنا ابن عدي، حدثنا محمد بن داود بن دينار، أنبأنا أحمد بن يونس، حدثنا سعدان بن عبدة، أنبأنا عبيد الله بن عبد الله العتكي، أنبأنا أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أجيعوا النساء جوعًا غير مضر، وأعروهنّ عريًا غير مبرح؛ لأنهنّ إذا سمنّ واكتسين؛ فليس شيء أحب إليهنّ من الخروج، وليس شيء شر لهنّ من الخروج، وإنهنّ إذا أصابهنّ طرف من العري والجوع، فليس شيء أحب إليهنّ من البيوت، وليس شيء خير لهنّ من البيوت.

وليس في هذه الأحاديث ما يصح.

أما حديث مسلمة، فقال أبو حاتم الرازي: شعيب بن يحيى ليس بمعروف، وقال إبراهيم الحربي: ليس لهذا الحديث أصل.

وأما حديث أنس، ففي الطريق الأول إسماعيل بن عباد. قال الدار قطني: متروك، وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به، وزكريا بن يحيى ليس بشيء.
وفي الطريق الثاني عبيد الله العتكي. قال البخاري: عنده مناكير، وقال ابن حبان: يتفرد عن الثقات بالمقلوبات، وقال ابن عدي: سعدان مجهول، وشيخنا محمد بن داود يكذب. اهـ.

أما المراد بهذا الأثر: فقد قال المناوي في فيض القدير: (استعينوا على النساء) اللاتي في مؤنتكم بزوجية، أو قرابة، أو ملك (بالعري) أي: استعينوا على تسترهنّ في البيوت، وعدم تطرق القالة في حقهنّ، بعدم التوسعة عليهنّ في اللباس، والاقتصار على ما يقيهنّ الحر والبرد، على الوجه اللائق. وعلل ذلك بقوله: (فإن إحداهن إذا كثرت ثيابها) أي: زادت على قدر الحاجة، كعادة أمثالها بالمعروف (وأحسنت زينتها) أي: ما تتزين به (أعجبها) أي: حسن في نفسها (الخروج) أي: إلى الشوارع والمجامع؛ للمباهاة بحسن زيها ولباسها، فترى الرجال منها ذلك، وتنشأ عنه من الفتن ما لا يخفى على أهل الفطن، فبإعرائهنّ تنحسم هذه المفاسد والشرور التي لا يمكن تداركها بعد وقوعها، وإذا كان هذا في زمانه، فما بالك به الآن؟. اهـ.

وقال الصنعاني في التنوير: (استعينوا على النساء) على ما تريدون من حشمتهنّ، ولزومهنّ البيوت (بالعُري) بضم المهملة خلاف اللُّبْس، يقال: عَرِيَ -كرَضِيَ- عُرْيًا، كما في القاموس، وفي قوله: (فإنّ إحداهم إذا كثرت ثيابها) ما يدل على أنه أريد بالعري تقليل الثياب، لا سيما ثياب الزينة، كما يرشد إليه قوله: (وأحسنت زينتها) فلا يرد أنه كيف يؤمرون بعريهنّ، وقد ثبت الأمر بكسوتهنّ (أعجبها الخروج) وهو غير مراد فيهنّ؛ ولذا لم يوجب عليهنّ جمعة، ولا جماعة، كما قال تعالى: {وَقَرْنَ في بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب:33]، وهذا الأمر من باب سد الذرائع، والإخبار بعدم إرادة خروج النساء من البيوت؛ فإنهنّ لا يكسبن من الخروج إلا الشر. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني