السؤال
"الرؤيا على رجل طائر ما لم ُتعْبر، فإذا عُبرت وقعت" بشرط أن يكون التعبير صحيحًا، وإذا رأينا رؤيا لا نجزم أنها ستتحقق أم لا، فهل ذلك راجع لأن تأويلها ظني وليس يقينيًّا؟ فالرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان قد فسر رؤيا امرأة، وقال: إن شاء الله، سيرجع زوجك صالحًا، مع أن تأويله يقيني، وليس ظنيًّا، ومع ذلك لم يجزم هل ستقع أم لا تقع؛ لقوله: "إن شاء الله"، لذلك أنا لم أفهم جيدًا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فهذا المعنى الذي أشرت إليه للحديث المذكور، معنى صحيح، وأن الرؤيا تقع على ما عبرت به، إن كان ذلك صادرًا من عالم بتعبير الرؤى، وسبق بيان كلام أهل العلم في ذلك في الفتويين: 41751، 124223.
ولا شك في أنه لا يلزم في كل رؤيا أن تتحقق، بل وليس كل رؤيا تعبر؛ لأن كثيرًا من الرؤى قد تكون أضغاث أحلام، كما في كلام ابن الجوزي في الفتوى الأخيرة التي أحلناك عليها، فليس السبب -إذن- هو مجرد كون تعبيرها ظنيًّا أو قطعيًّا.
وهنالك خلاف في تعبير الرؤى في حق الأنبياء هل هو ظني أو قطعي.
ومال القرطبي في تفسيره إلى أنه قطعي، حيث قال في تفسير قوله تعالى في قصة يوسف -عليه السلام- ورؤيا صاحبيه في السجن: وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ {يوسف:42}: قوله تعالى: {وقال للذي ظن} "ظن" هنا بمعنى أيقن، في قول أكثر المفسرين، وفسره قتادة على الظن الذي هو خلاف اليقين؛ قال: إنما ظن يوسف نجاته؛ لأن العابر يظن ظنًّا، وربك يخلق ما يشاء.
والأول أصح، وأشبه بحال الأنبياء، وأن ما قاله للفتيين في تعبير الرؤيا كان عن وحي، وإنما يكون ظنًّا في حكم الناس. وأما في حق الأنبياء فإن حكمهم حق كيفما وقع. اهـ.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن شاء الله. لا ينافي القول بقطعية تعبيره الرؤيا؛ لأنه قد يكون ذكر المشيئة على سبيل التبرك، كما قال المفسرون في قوله تعالى في قصة الذبيح إسماعيل -عليه السلام-: قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا {الكهف:69}، ففي تفسير مفاتيح الغيب للرازي قوله: وإنما علق ذلك بمشيئة الله تعالى، على سبيل التبرك، والتيمن. اهـ.
وقصة هذه الرؤيا التي عبرها رسول الله صلى الله عليه وسلم، مذكورة في الفتوى الأخيرة المحال عليها.
والله أعلم.