الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بطلان الاستدلال بالاحتفال بالمولد بالرؤى والمنامات

السؤال

ما حكم الاحتفال بالمولد النبوي؟
لأني قرأت هذا الحديث: "سبل الهدى والرشاد فى هدى خير العباد" عن بعض صالحي زمانه أنه رأى النبى -صلى الله عليه وآله وسلّم- في منامه , فشكى إليه أن بعض من ينتسب إلى العلم يقول ببدعية الاحتفال بالمولد الشريف, فقال له النبي -صلى الله عليه وآله وسلّم- من فرح بنا فرحنا به.
فأريد معرفة صحته، وإن كان صحيحا ما هو تفسيره؟
وأيضًا أنا كنت أريد أن أسأل عن صحة حديث منذ زمن، ولكن كانت هناك أسئلة غيره تثير قلقي أكثر فقلت: ليس مهمًّا الآن أن أسأل عنه أهم شيء أني متيقنة أنه حرام، وأنا لا أحتفل به، وصحة الحديث ذلك أعتقد أنها خاطئة؛ لأني بحثت عنها من قبل ولم أجدها. والله أعلم.
فهل قولي ليس مهمًّا أن أسأل عن صحته الآن كفر؟ وإذا أردت أن أسأل صديقتي عن ذلك الموضوع، ولكنني استحييت لأنني أغلب الأحيان أسألها عن الكفر، فخفت أن تنزعج فحدثتها بموضوع ثانٍ كي تعرف أن مواضيعي ليست كلها كفرا. فهل هذا كفر؟
وشكرًا لكم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالرؤى والمنامات لا تؤخذ منها الأحكام الشرعية استقلالا، ولو كانت للنبي -صلى الله عليه وسلم-، فإن الله تعالى قد أكمل لنا الدين، وأتم علينا النعمة، في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم-. ثم إن رؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- في المنام لا تثبت إلا لمن رآه على صورته التي كان عليها في الحقيقة، وراجعي في ذلك الفتويين: 67482، 351091.

وقد قال الإمام النووي في المجموع: لو كانت ليلة الثلاثين من شعبان، ولم ير الناس الهلال فرأى إنسان النبي -صلى الله عليه وسلم- في المنام فقال له: الليلة أول رمضان. لم يصح الصوم بهذا المنام، لا لصاحب المنام ولا لغيره. ذكره القاضي حسين في الفتاوى وآخرون من أصحابنا، ونقل القاضي عياض الإجماع عليه، وقد قررته بدلائله في أول شرح صحيح مسلم. ومختصره أن: شرط الراوي والمخبر والشاهد أن يكون متيقظا حال التحمل، وهذا مجمع عليه، ومعلوم أن النوم لا تيقظ فيه ولا ضبط، فترك العمل بهذا المنام لاختلال ضبط الراوي، لا للشك في الرؤية. اهـ.

وقد عقد الإمام الشاطبي في كتاب الاعتصام فصلا في أخذ الأعمال إلى المنامات، قال في أوله: وأضعف هؤلاء احتجاجا قوم استندوا في أخذ الأعمال إلى المنامات، وأقبلوا وأعرضوا بسببها ... ويتفق هذا كثيرا للمترسمين برسم التصوف، وربما قال بعضهم: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- في النوم، فقال لي كذا، وأمرني بكذا. فيعمل بها ويترك بها؛ معرضا عن الحدود الموضوعة في الشريعة – إلى أن قال: - وأما الرؤيا التي يخبر فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الرائي بالحكم؛ فلا بد من النظر فيها أيضا؛ لأنه إذا أخبر بحكم موافق لشريعته؛ فالحكم بما استقر، وإن أخبر بمخالف؛ فمحال؛ لأنه عليه السلام لا ينسخ بعد موته شريعته المستقرة في حياته؛ لأن الدين لا يتوقف استقراره بعد موته على حصول المرائي النومية؛ لأن ذلك باطل بالإجماع، فمن رأى شيئا من ذلك فلا عمل عليه، وعند ذلك نقول: إن رؤياه غير صحيحة، إذ لو رآه حقا؛ لم يخبره بما يخالف الشرع. اهـ.

والمنام الذي نقلته السائلة لا يخرج عن هذا التقرير، ولذلك قال الأستاذ الدكتور سعود الخلف في كتابه أصول مسائل العقيدة عند السلف وعند المبتدعة: كثيرا ما يعجز الصوفية عن إقامة الدليل على صحة دعوى من الدعاوى فيصححونها بالرؤى المنامية، وهذا كثير جدا لديهم، فمن ذلك ما ذكر الصيادي أحد كبار الرفاعية في الاستدلال على صحة المولد أنه قال: رأى أحد الصالحين النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن قراءة المولد الذي يصنع من أجله فقال له: "من فرح بنا فرحنا به". اهـ.

وقد سبق لنا في كثير من الفتاوى بيان بدعية الاحتفال بالمولد النبوي، وراجعي من ذلك الفتويين: 74863، 151445 ، وما أحيل عليه فيهما.

وهذا من حيث تقرير الأصل، وأما الكلام المنسوب للنبي صلى الله عليه وسلم في هذا المنام: "من فرح بنا فرحنا به" فإنه في ذاته ليس بمنكر، فالفرح بالنبي- صلى الله عليه وسلم- لا يفارق قلب المؤمن به، المتبع لسنته، والقائم على حدود شريعته. ومن جملة هذا الفرح: الحرص على الاقتداء به، فنلتزم بهديه -صلى الله عليه وسلم- فعلا وتركا، فما تركه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع قيام مقتضيه وعدم مانعه: تركناه.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم: مع اختلاف الناس في مولده، فإن هذا لم يفعله السلف، مع قيام المقتضي له وعدم المانع منه لو كان خيرًا. ولو كان هذا خيرًا محضا أو راجحًا لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيمًا له منا، وهم على الخير أحرص. وإنما كمال محبته وتعظيمه في متابعته وطاعته واتباع أمره، وإحياء سنته باطنًا وظاهرًا، ونشر ما بعث به، والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان. فإن هذه طريقة السابقين الأولين، من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان. اهـ.

ونعتذر عن جواب السؤال الثاني؛ عملا بسياسة الموقع في عدم الجواب إلا على السؤال الأول من الأسئلة المتعددة في الفتوى الواحدة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني