الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
ففي البداية: نسأل الله تعالى الرحمة، والمغفرة لوالدكم, وأن يجعله في الدرجات العلى من الجنة؛ إنه سميع مجيب.
وقد تضمن سؤالك عدة أمور, وسيكون الجواب في النقاط التالية:
1ـ إذا كان الأب المذكور قد بذل جهده في تحصيل تأشيرة لأداء الحج, ولم يتيسّر له, فلا يعتبر مقصّرًا.
ومن ثم؛ فلا إثم عليه، ولا يجب الحج عنه لعدم توفر الاستطاعة، فمن أركان الحج عند كثير من أهل العلم: عدم المانع من الوصول إلى مكة, ولا شك أن الحصول على التأشيرة سبيل لتمكن المسلم من السفر للحج، وعدم اعتراضه ومنعه من الوصول إلى الحرم، قال ابن قدامة في المغني: واختلفت الرواية في شرطين، وهما:
تخلية الطريق، وهو: ألّا يكون في الطريق مانع من عدو، ونحوه.
وإمكان المسير، وهو: أن تكمل فيه هذه الشرائط، والوقت متسع يمكنه الخروج إليه، فروي أنهما من شرائط الوجوب، فلا يجب الحج بدونهما؛ لأن الله تعالى إنما فرض الحج على المستطيع، وهذا غير مستطيع، ولأن هذا يتعذر معه فعل الحج، فكان شرطًا، كالزاد، والراحلة. وهذا مذهب أبي حنيفة، والشافعي. اهـ
وفي كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار للشيخ تقي الدين الحصني الفقيه الشافعي أثناء الحديث عن أركان الحج: ومنها: تخلية الطريق، ومعناه: أن يكون آمنًا في ثلاثة أشياء: في النفس، والبُضع، والمال، وسواء قلّ المال أو كثر؛ لحصول الضرر عليه في ذلك، وسواء كان الخوف عليه من مسلمين، أو كفار. اهـ
2 ـ أما من توفي بعد القدرة على تأشيرة الحج، مع توفر باقي ما يلزم للاستطاعة, ولم يحج حجة الفرض, فالواجب أن يخرج من تركته قبل قسمها أجرة من يحج نيابة عنه؛ بناء على مذهب بعض أهل العلم, وهو الراجح، كما سبق في الفتوى: 10177.
كما يجب أن يخرج من تركته من يعتمر عنه، إذا كان قد مات بعد وجوب العمرة عليه، ولم يفعلها؛ بناء على القول بوجوبها، وهو مذهب الشافعية، والحنابلة؛ وراجعي الفتوى: 40994، وانظري الفتويين: 12664، 22472 لبيان ماهية الاستطاعة.
3 ـ ما على الميت من دين، وكفارة يمين، ونحوها من الكفارات, فإنه يخرج من تركته قبل قسمها, كما سبق تفصيله في الفتوى: 58005.
4ـ الوصية بالتسوية بين الذكور والإناث، غير شرعية؛ لأن القدر الزائد على نصيب الإناث يعد وصية لوارث، والوصية لوارث لا تجوز. وإن وقعت، فلا تنفذ إلا بموافقة جميع الورثة؛ لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الله عز وجل قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث. والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود.
فهذه الوصية لا تنفذ إلا بموافقة الورثة، فإن أجازها بعضهم دون بعض، نفذت في حق من أجازها، وبطلت في حق من لم يجزها، كما سبق في الفتوى: 180327.
5ـ إذا كان الميت لم يترك ورثة غير من ذكر, فإن لزوجته الثمن فرضًا لوجود الفرع الوارث، قال الله تعالى: فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ {النساء:12} والباقي للأبناء, والبنات للذكر مثل حظ الأنثيين.
وتقسمُ هذه التركة على ست وتسعين سهمًا للزوجة الثمن: اثنا عشر سهمّا، ولكل ابن أربعة عشر سهمًا, ولكل بنت سبعة أسهم.
ولا شيء للأخوين والأخت؛ لوجود الأبناء.
ثم إننا ننبه السائلة إلى أن أمر التركات أمر خطير جدًّا وشائك للغاية، ومن ثم؛ فلا ينبغي -إذن- قسم التركة دون مراجعة المحاكم الشرعية -إذا كانت موجودة-؛ تحقيقًا لمصالح الأحياء والأموات.
والله أعلم.