الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لبس الملابس التي كتب عليها آيات من القرآن العظيم

السؤال

عندي قطعة ملابس لم يتم لبسها نهائيًّا، وهي قطعة قماش، ومكتوب على كل قطعة منها آيات قرآنية متفرقة من بعض سور القرآن الكريم، فما الذي يجب فعله حيال هذه القطعة: هل أرميها، أو أتلفها، أو أقطعها؟ جزاكم الله خير الجزاء.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن الملابس عرضة للامتهان؛ فلا ينبغي كتابة القرآن العظيم عليها، ولا لبس ما كتبت عليه.

وقد ذهب بعض الفقهاء إلى حرمة اللبس إذا كان فيه امتهان، كالجلوس على المكتوب، جاء في شرح المنتهى: (و) يحرم كتبه) أي: القرآن (بحيث يهان) ببول حيوان، أو جلوس عليه، ونحوه.

قال الشيخ تقي الدين: إجماعًا، فيجب إزالته، ويحرم دوسه، ودوس ذكر.

قال أحمد: لا ينبغي تعليق شيء فيه قرآن يهان به.

وفي الفصول: يكره أن يكتب على حيطان المسجد ذكر، أو غيره; لأنه يلهي المصلي.

وكره أحمد شراء ثوب فيه ذكر الله تعالى، يجلس عليه ويداس.

وفي البخاري "أن الصحابة حرقته -بالحاء المهملة- لما جمعوه"، قال ابن الجوزي: ذلك لصيانته، وتعظيمه.

وروي أن عثمان دفن المصاحف بين القبر والمنبر، ونص أحمد: إذا بلي المصحف واندرس، دفن. اهـ.

وفي مطالب أولي النهى: وكره) الإمام (أحمد شراء ثوب فيه ذكر الله، يجلس عليه ويداس) على المواضع الخالية من الذكر، وأما وطؤه ما فيه ذكر، فيحرم. اهـ.

بينما ذهب آخرون من الفقهاء إلى أن لبس ما كتب عليه القرآن لا يحرم مطلقاً، وإن استلزم الجلوس على المكتوب، جاء في الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع: ويكره كتب القرآن على حائط، ولو لمسجد، وثياب، وطعام، ونحو ذلك. ويجوز هدم الحائط، ولبس الثوب، وأكل الطعام، ولا تضر ملاقاته ما في المعدة، بخلاف ابتلاع قرطاس عليه اسم الله تعالى؛ فإنه يحرم عليه. اهـ.

وقال الهيتمي في تحفة المحتاج: ويحرم وطء شيء نقش به، ويفرق بينه وبين كراهة لبس ما كتب عليه المستلزم لجلوسه عليه، المساوي لوطئه؛ بأنا لو سلمنا هذا الاستلزام والمساواة، أمكننا أن نقول: وطؤه فيه إهانة له قصدًا، ولا كذلك لبسه. ويغتفر في الشيء تابعًا، ما لا يغتفر فيه مقصودًا. اهـ.

فالأحوط والأسلم هو ترك لبس ما كتب عليه آيات من القرآن الكريم.

لكن لا يحرم عليك الاحتفاظ بالقطعة التي كتب عليه آيات من القرآن الكريم، ولا يجب عليك التخلص منها.

ومتى أردت التخلص من تلك القطعة، فلا تعرضها للامتهان برميها، ونحو ذلك، لكن عليك بمحو ما فيها من المكتوب بغسله، إن أمكن، أو بإحراقه، أو بدفنه، جاء في الإتقان في علوم القرآن: إذا احتيج إلى تعطيل بعض أوراق المصحف لبلى ونحوه، فلا يجوز وضعها في شق أو غيره؛ لأنه قد يسقط ويوطأ. ولا يجوز تمزيقها؛ لما فيه من تقطيع الحروف وتفرقة الكلم، وفي ذلك إزراء بالمكتوب. كذا قال الحليمي.

قال: وله: غسلها بالماء، وإن أحرقها بالنار، فلا بأس؛ أحرق عثمان مصاحف كان فيها آيات وقراءات منسوخة، ولم ينكر عليه.

وذكر غيره أن الإحراق أولى من الغسل؛ لأن الغسالة قد تقع على الأرض. وجزم القاضي حسين في تعليقه بامتناع الإحراق؛ لأنه خلاف الاحترام، والنووي بالكراهة.

وفي بعض كتب الحنفية أن المصحف إذا بلي لا يحرق، بل يحفر له في الأرض ويدفن، وفيه وقفة؛ لتعرضه للوطء بالأقدام. اهـ.

وراجع الفتوى: 199287.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني