الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تمييز الأم بين بناتها في المعاملة وفي الطعام إذا أورث الضغائن بينهنّ

السؤال

أم لها أربع بنات متزوجات:
إحداهنّ: تحبها وتحب زوجها، وترسل لها هذه البنت أحيانًا من الطعام الذي تطبخه، وهي ذات حال مادي متوسط.
الثانية: تحبها أيضًا وتحب زوجها؛ رغم أنها كانت تكرهها؛ لأنها في اعتبارها كانت عاقة، ثم بعد أن تزوجت تغيّرت للأفضل، وهي تعمل، ولها دخلها؛ وتساعد أحيانًا ببعض المال؛ لأن وضع الوالدين المادي ليس جيدًا.
الثالثة: تحبها، وهي بارَّة جدًّا بوالديها، وتزورها كل يوم، أو يومًا بعد يوم مع زوجها الذي لا تحبه أمّها؛ رغم أنه يبذل قصارى جهده لإرضائها، ويحثّ ابنتها على برِّ والديها؛ رغم إساءات الأم المتكررة له، وهو ذو حال مادي جيد أحيانًا -فتمد زوجته يد العون لوالديها-، وسيئ أحيانًا -فلا تستطيع-.
الرابعة: مطلقة، وهي لا تحبّها، ولا تحب ابنها، ولم تكن تحب زوجها.
وهذه الأم -أصلحها الله- تخص الأولى والثانية في كثير من الأحيان ببعض الأمور، فترسل للأولى طعامًا مميزًا تصنعه، ولا ترسل للأخريات، ويعرفن بذلك قدَرًا مما يحزنهنّ، وعند زيارتها لا تضيفهنّ أحيانًا، أو تضيفهنّ نوعًا واحدًا من الفاكهة، أو تحضر حبة موز واحدة لكل منهنّ مثلًا، بل قد تخبئ ما تحب لكي لا تراه الرابعة وابنها؛ إلا إذا كان شيئًا لم يعجبها، فإنها تضيفه بسخاء.
وإذا حضرت إحدى البنتين - الثانية خصوصًا، أو الأولى مع زوجها- أكرمتهم، وضيفتهم كما يليق، مما يثير استغراب واستنكار زوج الثالثة، ليس رغبة في الطعام والشراب، وإنما شعور بعدم الاحترام والمحبة، فهل يجوز للأم أن تميِّز بين بناتها في المعاملة، أو في الطعام وغيره؛ لأنها تحب إحداهنَّ، وتكره الأخرى، أو لأنها تحبها، ولكن تكره زوجها؟ وهل تأثم الأمّ إذا تسبب ذلك بمشاعر سلبية بين الأخوات؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالراجح عندنا وجوب التسوية بين الأولاد في الهبات والعطايا، ما لم يكن لبعضهم حاجة تقتضي تفضيله، وراجع الفتوى: 6242.

وأمّا في غير الهبات والعطايا؛ فلم نقف على كلام لأهل العلم ينصّ على وجوب التسوية في معاملة الأولاد، وصلتهم، وبرّهم، لكن المنصوص الاستحباب بلا خلاف، قال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: ولا خلاف بين أهل العلم في استحباب التسوية، وكراهة التفضيل. قال إبراهيم: كانوا يستحبون أن يسوّوا بينهم حتى في القُبَل. انتهى.

وقال الرحيباني -رحمه الله- في مطالب أولي النهى: وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُفَضِّلَ أَحَدًا مِنْ وَلَدِهِ فِي طَعَامٍ وَغَيْرِهِ. قَالَ إبْرَاهِيمُ: كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمْ حَتَّى فِي الْقُبَلِ. انتهى.

لكن إذا كانت الأمّ تفضل بعض بناتها على بعض في المعاملة، وهي ترى أنّ ذلك يثير الضغائن والحقد؛ فالظاهر في هذه الحال؛ أنّ الأمّ تأثم بذلك؛ لأنّ دفع ما يترتب عليه قطيعة رحم، واجب، وقد جاء في الشرح الممتع على زاد المستقنع للشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
لكن إذا كان له أخوان، وخاف إذا أعطى أحدهما، كان ذلك سببًا للقطيعة بالنسبة للآخر، فهنا له أن يعطيه، لكن يجب أن يجعل العطاء سِرًّا؛ حتى لا تحصل القطيعة من الأخ الثاني، وهنا الواجب ليس هو التعديل، بل الواجب هو دفع ما يخشى منه من قطيعة الرحم، وهذا يحصل بالإسرار. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني