الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيفية جمع المرأة بين الدراسة والعبادة والعلم

السؤال

لديّ سؤال يحيرني كثيرًا، وأسأل الله أن يجعل إجابته عندكم، بارك الله فيكم.
أنا الآن أدرس في نهاية المرحلة الثانوية، وقد طرأت على خاطري فكرة -وكأنها رسالة من الله لي- أني أتضرر من الدراسة؛ لأني لا أجد وقتًا لعبادة الله -مثل القرآن، والذكر، والعلم الشرعي، والقراءة-، وإن وُجِد، فلا أكون فاعلة للعبادة بقلبي، وقد شق عليّ هذا كثيرًا، مع العلم أني أقوم بمسؤولية بيتي لظروف عمل أختي، ومرض أمّي.
ومع نجاحي في دراستي -اللهم لك الحمد- لكني لا أودّ تفضيل الدنيا على الآخرة، فبحثت في حكم تعليم المرأة، ووجدت أن له ضوابط، منها: ألا يؤثر على العلم الشرعي والعبادة، وأن ينتفع به المجتمع، وأن تكون المرأة محتاجة إليه؛ لعدم وجود من ينفق عليها.
وقد توفر لي من ينفق عليّ -ولله الحمد-، وأجد في دراستي ضياعًا للوقت الذي يمكن استغلاله في العبادة، مع توضيح أني أفضّل ألا أعمل مستقبليًّا، وأفضّل الاهتمام ببيت الزوجية، وتنشئة جيل مسلم صالح، فلا أرى في تعليمي فائدة، مع العلم أنه يوجد طبيبات وممرضات ومعلمات كثيرات -والحمد لله-، وحتى هذه الوظائف فيها اختلاط في المواصلات على الأقل، وتحدثت إلى والدي؛ ووافق -بفضل الله-، ولكن أهلي أخافوني من ضياع المستقبل، وتدنّي الشهادة، وغيرها؛ فرجعت عن قراري، وندمت ندمًا شديدًا؛ لأن رزقي بيد الله وحده، وأعتقد أني استنفدت فرصتي في طلب ترك الدراسة من والدي، فهل أكمل هذه السنة -مع العلم أنها تأخذ كل وقتي، وتتسبب في تأخير الصلوات، خاصة صلاة العصر- أم لا أكملها؟ وهل أكمل تعليمي الجامعي الذي فيه اختلاط في المواصلات، وأنال نية الارتقاء بالمسلمين، كما يقولون -مع العلم أني ألتزم بالحجاب الشرعي، وأبي يعمل في الخياطة، ويمكنني تعلّم مهنة تنفعني عند الحاجة، وهي الخياطة- أم لا أكملها؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فجزاك الله خيرًا على حرصك على العلم النافع، والعمل الصالح، ونسأل الله تعالى أن يلهمك رشدك، ويوفّقك لما يحبه ويرضاه.

والذي ننصحك به أن تجتهدي في دراستك الثانوية، ولا تتركيها بحجة أنّها تعطّلك عن العبادة والعلم الشرعي؛ فالجمع بين الدراسة وبين العبادة المطلوبة والعلم الشرعي الواجب؛ أمر يسير -بإذن الله-، إذا استعنت بالله تعالى، وحرصت على تنظيم الأوقات، والموازنة والترتيب بين الأولويات.

ومما يعينك على ذلك: المحافظة على الصلاة المفروضة في أوقاتها، والقيام بها على الوجه الصحيح، مع الحرص على الخشوع فيها، والإقبال على الله تعالى؛ فهذه الصلاة مفتاح كل خير، وهي مع الصبر من أنفع الأسباب لتحصيل كل فلاح، قال تعالى: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ {البقرة:45}، قال السعدي -رحمه الله-: فبالصبر، وحبس النفس على ما أمر الله بالصبر عليه، معونة عظيمة على كل أمر من الأمور، ومن يتصبّر يصبّره الله. وكذلك الصلاة التي هي ميزان الإيمان، وتنهى عن الفحشاء والمنكر، يستعان بها على كل أمر من الأمور. انتهى.

ومما يعينك على ذلك أيضًا: أن تعلمي أنّ دراستك الثانوية، وبعدها الجامعية، وحرصك على التفوق فيها، ليس فيه إضاعة للوقت، ولكنه انتفاع بالوقت في تعلّم العلوم النافعة، التي تحصل بها مصالح دينية ودنيوية كثيرة، وتنالين بها -إن شاء الله- أجورًا عظيمة، إذا صلحت النية، وحسن القصد، جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: ومن هذا يتبين أن كل علم ديني مع وسائله التي تعين على إدراكه، داخل فيما يرفع الله -من علمه، وعمل به، مخلصًا له- عنده درجات، وأنه مقصود بالقصد الأول.

وكل علم دنيوي تحتاجه الأمة، وتتوقف عليه حياتها -كالطب، والزراعة، والصناعة، ونحوها-، داخل أيضًا إذا حسنت النية، وأراد به متعلمه والعامل به نفع الأمة الإسلامية ودعمها، ورفع شأنها، وإغناءها عن دول الكفر والضلال، لكن بالقصد الثاني التابع، ودرجات كل متفاوتة؛ تبعًا لمنزلة ذلك من الدِّين، وقوته في النفع ودفع الحاجة، والله سبحانه هو الذي يقدّر الأمور قدرها، وينزلها منازلها، وهو الذي يعلم السر وما هو أخفى، وإليه الجزاء ورفع الدرجات في الدنيا والآخرة، وهو الحكيم العليم. انتهى. وراجعي الفتاوى: 339457، 342010، 188951، 15872.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني