الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل من السنة الجمع بين أذكار الاستفتاح والركوع والسجود؟

السؤال

عندما أصلي صلاة الظهر، فإني أُطيل السنن القبلية؛ لأني أقرأ جميع أذكار الصلاة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في كتب الأذكار في كل ركعة وسجدة، وهذا يجعلني أطيل الصلاة جدًّا؛ بحيث تكون صلاة النوافل القبلية والبعدية أطول من صلاة الفرض؛ فقد أصلي الركعات الأربع التي قبل الظهر في 20 دقيقة أو أكثر، وقد يقيمون الصلاة وأنا لا زلت أصلي الرواتب، فهل أقصر من صلاتي وأطيل في قيام الليل فقط، أم أواصل هكذا؟ وسؤالي حول أذكار الصلاة، فهي كثيرة -دعاء الاستفتاح، وأربعة أذكار في الركوع، وأربعة عند القيام من الركوع، وستة في السجود ، والكثير عند التشهد- وأنا أكتفي بأربعة بعد التشهد -هذا بحسب حصن المسلم-، فهل كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول كل هذه الأذكار؟ وماذا كان يقول بعد كل فرض؟ أفيدوني -جزاكم الله خيرًا-.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقد ذكرنا في الفتوى: 180683 أقوال العلماء في حكم الجمع بين الأذكار الواردة في موضع واحد في الصلاة، وذكرنا أن من أهل العلم من يرى استحباب الجمع بين الأدعية المأثورة، ومن ذلك دعاء الاستفتاح، قال النووي في «المجموع شرح المهذب»، بعد ذكره للأحاديث الواردة في الاستفتاح: فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي الِاسْتِفْتَاحِ، بِأَيَّتِهَا اسْتَفْتَحَ حَصَّلَ سُنَّةَ الِاسْتِفْتَاحِ، لَكِنَّ أَفْضَلَهَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ حَدِيثُ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، وَيَلِيهِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا -مِنْهُمْ أَبُو إسحاق الْمَرْوَزِيُّ، وَالْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ-: يَجْمَعُ بَيْنَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، وَوَجَّهْتُ وَجْهِي إلَى آخِرِهَا؛ لِحَدِيثِ جَابِرٍ الَّذِي رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ.

وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، وَالْجُمْهُورُ حَدِيثُ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-.

قَالَ أَصْحَابُنَا: فَإِنْ كَانَ إمَامًا، لَمْ يَزِدْ عَلَى قَوْلِهِ: وَجَّهْتُ وَجْهِي إلَى قَوْلِهِ: وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ.

وَإِنْ كَانَ مُنْفَرِدًا، أَوْ إمَامًا لِقَوْمٍ مَحْصُورِينَ لَا يَتَوَقَّعُونَ مَنْ يَلْحَقُ بِهِمْ، وَرَضُوا بِالتَّطْوِيلِ، اسْتَوْفَى حَدِيثَ عَلِيٍّ بِكَمَالِهِ، وَيُسْتَحَبُّ مَعَهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ الله عنهما-. اهــ.

والذي نراه أقرب للصواب هو أن تنوع بين الأذكار، فتقول بعضها في حين، وتقول بعضها في حين آخر، وهذا أولى من إطالة النافلة؛ حتى يفوتك شيء من الصلاة مع الجماعة.

وأما سؤالك: هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول كل تلك الأذكار؟

فالجواب: أنه لم يرد شيء صريح في ذلك، إلا أنه في دعاء الاستفتاح قد جاء ما يدل على أنه يقتصر على بعضها، ففي صحيح مسلم من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَبَّرَ فِي الصَّلَاةِ، سَكَتَ هُنَيَّةً قَبْلَ أَنْ يَقْرَأَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، أَرَأَيْتَ سُكُوتَكَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ، مَا تَقُولُ؟ قَالَ: "أَقُولُ: اللهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ، كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، اللهُمَّ نَقِّنِي مِنْ خَطَايَايَ كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، اللهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالثَّلْجِ وَالْمَاءِ وَالْبَرَدِ".

والشاهد أنه لم يذكر لأبي هريرة إلا دعاء واحدًا، بخلاف أذكار الركوع والسجود، فإنه لم يرد ما يدل على أنه كان يقتصر على بعضهما، قال الشيخ ابن عثيمين عن أدعية الاستفتاح: ولا يجمع بينهما؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل ما تقول: لم يذكر إلا نوعًا واحدًا فقط، بخلاف أدعية الركوع مثلًا، فإنه يجوز أن يجمع بينها؛ لأنه ما ورد في الركوع أنه كان يقتصر على واحد منها، أما هذا ورد أنه يقتصر على واحد منها. اهــ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني