السؤال
هل من الاعتداء في الدعاء إن يسأل العبد ربه أن يرزقه السرعة والقوة في الحفظ، والذكاء، والمنطق، وأن يجعله مثل العلماء الكبار من السلف -أمثال: أحمد ابن حنبل، والبخاري، والشافعي-، أو أن يجعله من أقوى الناس حفظًا، وذكاءً، ومنطقًا، وفطنةً على وجه الأرض في زمانه؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس من الاعتداء في الدعاء أن يسأل المسلم ربه أن يكون أذكى أهل زمانه, أو أقواهم حفظًا, وفطنةً, أو يكون أعلم أهل عصره, أو مثل كبار العلماء الذين ذكرهم السائل، فليس ذلك ممنوعًا شرعًا، ولا مستحيلًا عقلًا، والله تعالى لا يتعاظمه شيء، وهو على كل شيء قدير، روى الإمام مسلم من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا دعا أحدكم، فلا يقل: اللهم اغفر لي إن شئت، ولكن ليعزم المسألة، وليعظم الرغبة؛ فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه. وقال صلى الله عليه وسلم أيضًا: إذا تمنى أحدكم، فليُكثر؛ فإنما يسأل ربه. اهـ صححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع.
وقال الحافظ ابن حجر في الفتح: ومعنى قوله: ليعظّم الرغبة أي: يبالغ في ذلك بتكرار الدعاء، والإلحاح فيه. ويحتمل أن يراد به الأمر بطلب الشيء العظيم الكثير، ويؤيده ما في آخر هذه الرواية: فإن الله لا يتعاظمه شيء. اهـ.
وفي الكوكب الوهَّاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج: (وليعظّم الرغبة) أي: وليشدّد الرغبة والرجاء في قبول دعائه، أو المعنى: وليجعل رغبته في أمور عظيمة، وحوائج كثيرة، (فإن الله) سبحانه (لا يتعاظمه شيء أعطاه) لداعيه، أي: لا يكون عظيمًا صعبًا عليه؛ فإنه إنما يقول: كن فيكون. اهـ.
وقال المناوي في فيض القدير: (إذا تمنى أحدكم) على ربه من خير الدارين (فليكثر) الأماني (فإنما يسأل ربه) الذي ربّاه، وأنعم عليه، وأحسن إليه (عز وجل) فيعظم الرغبة، ويوسع المسألة، ويسأله الكثير والقليل؛ فينبغي للسائل إكثار المسألة، ولا يختصر، ولا يقتصر؛ فإن خزائن الجود سحّاء الليل والنهار، أي: دائمة، لا ينقصها شيء، ولا يفنيها عطاء، وإن جلّ وعظم؛ لأن عطاءه بين الكاف والنون {إنما أمرنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون}. اهـ.
وقال الصنعاني في التَّنوير: شَرْح الجَامِع الصَّغِيرِ: (إذا تمنى أحدكم، فليكثر؛ فإنما يسأل ربه) أي: يطلب كثيرًا من الخير؛ فإنه إنما يسأل من بيده خزائن السماوات والأرض، وفيه الندب إلى استكثار الخير منه تعالى. اهـ.
والله أعلم.