السؤال
أنا أحب الثناء كثيرًا، وأحرص دائمًا على أن يُثنَى عليَّ ولو بشيء لم أفعله، وأحيانًا أعمل لشهور لكي أسمع كلمة ثناء، وأنني مميز، ماهر، ذكي، ونحوها.
وإذا سمعت عكس ذلك، أغضب غضبًا شديدًا، وكثيرًا ما أحاول تجنّب هذا الشيء، لكنه يأتي دون شعور، وأرى نفسي حريصًا على الثناء، وعندما قرأت هذه الآية: {لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب}؛ شعرت بخوف، وكثيرًا ما أردد: "اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك -وأنا أعلم-، وأستغفرك لما لا أعلم." قبل الأعمال.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فحب الثناء والمدح، والغضب من الثلب والقدح؛ فطرة إنسانية، وجبلة بشرية، ولكن الموفَّق كل الموفَّق من كان همُّه الأول، وشغله الشاغل أن يكون ممن أثنى الله عليهم ومدحهم، وأن لا يكون ممن ذمَّهم الله، وقبح فعلهم، وأن لا يبالي بشيء من مدح الناس، إلا ما كان مما مدح الله به، وأن لا يبالي بشيء من ذمِّهم، إلا ما كان مما ذمَّ الله به.
ومما يعين على هذا: التفكرُ في آجِل الثواب، وما أعدّه الله للمخلصين من عباده، والأخذ بالأسباب الجالبة لمحبة الله تعالى؛ حتى يكون الله تعالى أحب إليك من نفسك، وولدك، والناس أجمعين.
فإذا أحببته سبحانه أكثر من كل أحد؛ لم تتطلّع إلا إلى ما يرضيه رضي الناس، أم سخطوا.
وخذ هذه الوصية النافعة للإمام المحقق ابن القيم -رحمه الله- كما جاء في كتابه الفوائد: لَا يجْتَمع الْإِخْلَاص فِي الْقلب، ومحبة الْمَدْح وَالثنَاء، والطمع فِيمَا عِنْد النَّاس، إِلَّا كَمَا يجْتَمع المَاء وَالنَّار، والضب والحوت.
فَإِذا حدثتك نَفسك بِطَلَب الْإِخْلَاص، فَأقبل على الطمع أَولًا، فاذبحه بسكين الْيَأْس، وَأَقْبل على الْمَدْح وَالثنَاء، فازهد فيهمَا زهد عشّاق الدُّنْيَا فِي الْآخِرَة، فَإِذا استقام لَك ذبح الطمع، والزهد فِي الثَّنَاء والمدح؛ سهل عَلَيْك الْإِخْلَاص.
فَإِن قلت: وَمَا الَّذِي يسهّل عَليّ ذبح الطمع، والزهد فِي الثَّنَاء والمدح؟
قلت: أما ذبح الطمع؛ فيسهله عَلَيْك علمك يَقِينًا أَنه لَيْسَ من شَيْء يطْمع فِيهِ إِلَّا وبيد الله وَحده خزائنه، لَا يملكهَا غَيره، وَلَا يُؤْتي العَبْد مِنْهَا شَيْئا سواهُ.
وَأما الزهد فِي الثَّنَاء والمدح؛ فيسهله عَلَيْك علمك أَنه لَيْسَ أحد ينفع مدحه ويزين، ويضرّ ذمّه ويشين إِلَّا الله وَحده، كَمَا قَالَ ذَلِك الْأَعرَابِي للنَّبِي: إِن مدحي زين، وذمي شَيْن. فَقَالَ: ذَلِك الله عز وَجل.
فازهد فِي مدح من لَا يزينك مدحه، وَفِي ذمّ من لَا يشنيك ذمّه، وارغب فِي مدح من كل الزين فِي مدحه، وكل الشين فِي ذمّه، وَلنْ يقدر على ذَلِك إِلَّا بِالصبرِ، وَالْيَقِين. فَمَتَى فقدت الصَّبْر وَالْيَقِين، كنت كمن أَرَادَ السّفر فِي الْبَحْر فِي غير مركب، قَالَ تَعَالَى: فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يوقنون. وَقَالَ تَعَالَى: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ. انتهى.
والله أعلم.