الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حصول الإجماع في العقيدة أسبق وأوثق من فروع الفقه

السؤال

كان هناك أخ يسأل: هل الله واحد، أم ثلاثة؟ فهم قالوا له: الله واحد، بإجماع الأمة.
فهناك أخت بالغة، قالت: ليس بإجماع الأمة، ولكن الله واحد بالقرآن والسنة؛ لأن إجماع الأمة قد يقول شيئا غلطا، فلا يصح أن نأخذ به.
هي تعلم أن إجماع الأمة ثالث دليل في التشريع، ولكنها نسيت نهائيا في هذه اللحظة، وظنت أن إجماع الأمة يقصد به إجماع الناس العاديين.
السؤال الأول: هل ما قالته حرام؟
السؤال الثاني: هل إجماع الأمة في مسائل العقيدة أم الفقه؟
السؤال الثالث: أخوها قال مثلها ليس بإجماع الأمة؛ لأن الأمة قد تغلط وقد تصيب، وقال مستغربا: يعني لو إجماع الأمة قال: الله واحد يصبح واحدا، ولو قال إجماع الأمة: الله ثلاثة، يصبح ثلاثة. فهو قال مثل أخته إن إجماع الأمة يمكن أن يخطئ، ويمكن أن يصيب، فلن نأخذ به. هو لا يفهم معنى إجماع الأمة.
أخته حاولت أن تفهمه أن إجماع الأمة يؤخذ به، وهو ثالث دليل في التشريع، فهو قال لها: غلط، إجماع الأمة في الفقه وليس العقيدة؛ لأنهم يمكن أن يصيبوا، ويمكن أن يخطئوا. هل هذا الكلام حرام؟
وجزاكم الله خيرا.
أرجو الإجابة على الأسئلة الثلاثة.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فظاهرٌ أن قائل هذا الكلام لا يعلم المعنى الاصطلاحي للإجماع! وأنه لا يمكن أن يخالف القرآن أو السنة، وأنه معصوم من الخطأ في فروع الدين، فضلا عن أصوله، فضلا عن الإجماع على الكفر البواح، كأن يجمعوا على التثليث والعياذ بالله!

ومع ذلك، فقائل هذا قد يكون معذورا بجهله فيما قال، لكن يجب عليه مستقبلا أن لا يتكلم فيما لا يعلم، خاصة إذا تعلق الأمر بأحكام شريعة الله -تعالى-، قال الله -تعالى-: وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا {الإسراء:36}، وقال تعالى: وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ {النحل:116}.

وقد سبق لنا بيان منزلة الإجماع وأدلة حجيته، والرد على منكره، وذلك في الفتوى: 28730.
وهنا ننبه على أن الإجماع إنما يحصل باتفاق العلماء المجتهدين، ولا عبرة فيه بالعامة، وراجعي في ذلك الفتوى: 369694.
والجهل بمعنى الإجماع ودلالته، هو الذي حمل هذا القائل على التفريق بين الإجماع في الفقه والإجماع في العقيدة، فهذا التفريق في غاية النكارة، فحصول الإجماع في العقيدة أسبق وأوثق من فروع الفقه، والعلماء الذي ألفوا في الإجماع أدخلوا فيه مسائل الاعتقاد.

فهذا ابن حزم -رحمه الله- ختم كتابه (مراتب الإجماع) بباب: "من الإجماع في الاعتقادات يكفر من خالفه بإجماع"، بدأه بقوله: اتفقوا ان الله عز وجل وحده لا شريك له، خالق كل شيء غيره ... الخ. اهـ.
وهذا ابن القطان يبتدئ كتابه (الإقناع في مسائل الإجماع) بكتاب الإيمان، ويسرد فيه (266 مسألة) مفصلة ومقسمة على معاني الإيمان وأركانه وأبوابه، منها: (ذكر الإيمان بالله سبحانه وصحيح الاعتقاد) قال فيه:
- وأجمع السلف والخلف من أهل السنة، أن العالم بما فيه من أجسامه وأعراضه محدث، لم يكن ثم كان.
- وأجمعوا أن لجميعه محدثا واحدًا، اخترع أعيانه وأحدث جواهره وأعراضه.

- وأجمعوا أنه تعالى لم يزل قبل أن يخلقه واحدًا، حيًا عالمًا قادرًا مريدًا سميعًا بصيرًا، له الأسماء الحسنى والصفات العلى ... الخ. اهـ.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني